يطلق كثير من المراقبين على رواندا لقب “أيقونة التنمية الأفريقية الحديثة”، فهي الدولة التي نفضت عن نفسها غبار الحرب ونهضت من تحت ركامها، واحتلت خلال فترة قصيرة مراتب متقدمة على المؤشرات الدولية في التنمية والنمو الاقتصادي والشفافية ومكافحة الفساد.
أدت الحروب الأهلية ومن بعدها الإبادة الجماعية إلى تدمير الدولة ومؤسساتها، وأصبحت رواندا من أفقر دول العالم، ولديها أقصر متوسط أعمار متوقع، واجتمعت فيها جميع الشروط لتكون “دولة فاسدة”، كما تقول دراسة تحت عنوان “دور وسائل الإعلام في مكافحة الفساد السياسي في رواندا”.
كما يقال “ليس من سمع كمن رأى”، ولقد رأيت على مدى أسبوعين من التطواف في البلاد -وأنا أراقب كل شيء فيها بعين الصحفي المختبر المعاين، لا بعين السائح المنبهر- “معالم للنجاح كثيرة في بلد أفريقي نجا من الموت”.
نهضة شاملة
بعد الإبادة، وعلى مدى سنوات قليلة اعتمدت الدولة على المساعدات الخارجية، لكنها سرعان ما أدركت أن التخلص من حالة التخلف وآثار الإبادة لا يكون إلا باعتماد خطط تنموية تسهم في تحقيق الازدهار.
اعتبرت رواندا من أهم الدول التي استطاعت تحقيق نهضة شاملة، بحسب وصف تقرير للبنك الدولي الذي قال إن البلاد خطت خطوات واسعة في مسارها التنموي، كما أنها حققت نجاحات في مكافحة الفساد، رغم الأزمات التي عانت منها منذ حقبة الاستعمار وحتى الإبادة الجماعية عام 1994.
وجهت الحكومة طاقتها للتنمية وتطوير الاقتصاد، وقدم الخبراء والمختصون دراسات تحولت لرؤية “رؤية 2020” الاقتصادية، وتشمل 44 هدفا في مجالات مختلفة، وتمكنت هذه الأهداف من تحقيق المعجزة، وارتفع متوسط دخل الفرد عام 2015 إلى 30 ضعفا عما كان عليه قبل 20 عاما.
وفي هذا الصدد، يقول الخبير الاقتصادي تيد كابيروكا للجزيرة نت إن مسيرة البلاد في تحقيق الازدهار الاقتصادي خلال سنوات قليلة يعتبر شيئا مذهلا مقارنة بالحالة المرعبة التي كانت عليها البلاد، موضحا أن الحكومة وضعت خططا للتنمية وجعلت توفير الغذاء والماء للمواطنين على رأس أولوياتها.
جاءت شهادة البنك الدولي لتؤكد صحة هذا النهج، وذكر في تقريره عام 2016 أن رواندا احتلت المركز 62 من بين 189 دولة في إطار سهولة ممارسة الأعمال التجارية، وتقدمت إلى المركز 29 ضمن قائمة “أسهل مكان لممارسة الأعمال التجارية في العالم” عام 2020.
وفي عام 2020، ذكر تقرير البنك الدولي أن رواندا تعد واحدة من أفضل الأمثلة وأحدثها للنجاح في مكافحة الفسـاد فـي العقـود الماضـية، وحددت وزارة الخارجية الأميركية في تقريرها عام 2021 أن معدل الفساد المنخفض في رواندا “يعتبر حافزا رئيسيا للاستثمار في البلاد”.
اترك تعليقاً