العربية Français Anglais

إيران النووية :إلى متى يظل النادي النووي مُغلقاًعلى الكبار؟

مجلة البلاد اللبنانية: تصدر أسبوعيًا عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان، العدد رقم 486، تاريخ الجمعة 4أبريل 2025
توفيق المديني
أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تهديداته بضرب الجمهورية الإسلامية الإيرانية إِنْ لم تُوَافِقْ على مطالبه وتوقع معاهدة تتعلق ببرامجها النووية، إذْ قال يوم الأحد الماضي : “إن لم توافق إيران على صفقة، فسيكون هناك قصف، لم يَرَوْا أبدًا مثله من ذي قبل”. ووفقًا للقناة 14 الصهيونية، فإنَّ الضربة المحتملة قد تكون الأعنف ضد دولة ذات سيادة منذ الحرب العالمية الثانية، ما قد يؤدي إلى تدمير المشروع النووي الإيراني الذي استمر لعقودٍ. وأوضحت القناة أنَّ الهجوم المرتقب قد يشكل ضربة قاسية للحرس الثوري الإيراني، الذراع العسكرية للنظام في طهران، وهو ما قد يمهد الطريق لتغييرات داخلية جذرية قد تصل إلى تغيير النظام نفسه.
وأوضحت صحيفة”واشنطن بوست”في تقرير لها، أن َّمستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، مايكل والتز، صرح يوم الأحد الماضي، في برنامج “هذا الأسبوع” على قناة ABC، بأنَّ “جميع الخيارات مطروحة”. إذا لم تُسلّم إيران الصواريخ، وتسليحها، وتخصيبها للمواد النووية، فإنها قد تواجه سلسلة كاملة من العواقب الأخرى”.
جاءت تصريحات والتز في أعقاب ضربة أمريكية ضخمة يوم السبت على الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، والذين تعهدوا الأسبوع الماضي باستئناف هجماتهم على حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر. وقال ترامب في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي: “إذا لم توقف طهران دعمها لهم فورا، فستحاسبكم أمريكا بالكامل، ولن نكون لطفاء في هذا الشأن”.
سارعت إيران إلى الرد بالمثل. وقال اللواء حسين سلامي، قائد الحرس الثوري الإسلامي: “إذا تعرضت إيران للتهديد، فسترد بردود مناسبة وساحقة”.
وكتب وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، في منشور يوم الأحد على موقع “إكس”: “ليس لحكومة الولايات أي سلطة أو عمل في إملاء السياسة الخارجية الإيرانية. لقد انتهى ذلك العصر في عام 1979″، عام الثورة الإسلامية التي بدأت بالاستيلاء على السفارة الأمريكية في طهران.
ما هي إملاءات ترامب ضد إيران؟
سبق أن هدّد ترامب إيران بقصف “لا مثيل له”، وفرض رسوم جمركية ثانوية عليها إذا لم تتوصل إلى اتفاق مع واشنطن بشأن برنامجها النووي. وكان ترامب قد وجّه رسالة للمرشد الإيراني علي خامنئي في مارس/آذار الماضي عبر وزير خارجية الإمارات، حذّر فيها طهران من مغبة عدم التفاوض حول سلّة من القضايا، على رأسها برنامجها النووي، فيما أكدت إيران الأسبوع الماضي أنَّها ردّت على الرسالة عبر سلطنة عُمان، رافضة أي نقاش خارج برنامجها النووي، وقالت إنَّها لا تمانع في التفاوض “غير المباشر” مع واشنطن حوله، وانطلاقاً من الاتفاق الذي انسحب منه ترامب في 2018، كما أكدت رفضها سياسة الضغوط والعقوبات.
لا تقنصر مطالب ترامب من إيران على برنامجها النووي، بل تتجاوزه إلى برنامجها الصاروخي وسياساتها الإقليمية، حيث أوضح الخبير الإيراني صلاح الدين هرسني، في حديث لصحيفة “العربي الجديد”بتاريخ 2أبريل/نيسان 2025، أنَّ الرئيس الأمريكي في إطار “دبلوماسية الإملاء” يطرح ثلاثة مطالب، تتمثل في تعطيل البرنامج النووي، والحد من قدراتها الصاروخية، وتقزيم نفوذ وقوة إيران في المنطقة ودعمها للقوى الحليفة والوكيلة. واعتبر هرسني أنَّ الرئيس الأمريكي يسعى إلى إخضاع إيران لجعلها عديمة التأثير في معادلات الشرق الأوسط وهندسة جيوسياسية غرب آسيا، مضيفاً أن “لا حد لمطالبه”.
تطالب الولايات المتحدة إيران بالتخلي عن برنامجها النووي بحجة أنها تعمل على تسريع تخصيب اليورانيوم بدرجة 60% القريبة من النسبة المطلوبة للأغراض العسكرية، 90%. وهذا يعني أنّ أمريكا تريد تفكيك البرنامج النووي الإيراني على غرار ما فعلت ليبيا في 2003. وهناك جوّ مشجع لمثل هذا التوجه في صفوف المحافظين والمؤيدين للرئيس ترامب، مفاده أن إيران الآن في وضع “ضعيف جداً جداً”، على حد تعبير نائب رئيس الأركان سابقاً الجنرال المتقاعد جاك كين. يشاركه في هذا التقدير دبلوماسيون ومسؤولون سابقون، من بينهم السفير جون بولتون، والذين أخذوا على الرئيس بايدن “ضعف موقفه” من إيران.
وقد تعزز هذا الاعتقاد مؤخراً أنّ وضع إيران ضعيفٌ استرايجيٌّ في الوقت الحاضر، لا سيما في ظل الحرب الإبادة الأمريكية-الصهيونية ضد حزب الله في لبنان، وحركة حماس في قطاع غزة، إضافة إلى الهجمات الأمريكية الأخيرة على الحوثيين في اليمن، وهو ما قد يجبر طهران على الاعتماد على قدراتها الذاتية في أي مواجهة مقبلة.فضلاً عما تناقلته التقارير عن “تدمير إسرائيل الدفاعات الجوية الإيرانية” في هجماتها الأخيرة على عدة مواقع عسكرية داخل البلاد. وتلقى هذه الأصوات، خاصة من أمثال الجنرال كين، آذاناً صاغية في إدارة ترامب التي تطمح للتوصل إلى حلّ “حاسم” للنووي الإيراني.
وظلّت إيران، في مواجهة مطالب ترامب، تؤكد أنَّها لن تجري أي تفاوض مباشر مع الولايات المتحدة، لكنَّها فتحت الباب أمام مفاوضات غير مباشرة تقتصر على الملف النووي فحسب، “وذلك فقط على أساس الاتفاق النووي المبرم عام 2015 والاحترام المتبادل”. كما أكدت طهران رفضها المطلق لإجراء أي نقاش حول قدراتها الدفاعية وصواريخها، مع التأكيد أنَّ علاقاتها مع حلفائها الإقليميين “تعتمد على الاتفاقيات الثنائية، وأنَّ الحلفاء مستقلون ولا يتبعوننا، وأي اتفاق مع هذه الأطراف سيكون محل ترحابها”، ما يعني أنها أحالت ترامب إلى التفاوض معهم.
المعادون الموتورون لإيران من الأمريكان و الصهاينة، يرون أنَّ إيران تترنح من إحدى أكثر سنواتها تدميرا على الإطلاق، ما جعل العديد من المراقبين يجادلون بأنه ليس لديها خيار سوى السعي إلى التوصل إلى اتفاق. لقد عانت قواتها الإقليمية المرتبطة بمحور المقاومة مثل حزب الله من خسائر فادحة في الصراع مع الكيان الصهيوني ، التي انخرطت أيضا في أول تبادل مباشر للصواريخ مع إيران وهددت بضرب مواقعها النووية. كما أنها تمت الإطاحة بحليف طهران الإقليمي بشار الأسد في سوريا نهاية العام الماضي. ومع ذلك، فقد بدا أنَّ شروط ترامب للتوصل إلى اتفاق لا تشمل الأنشطة النووية الإيرانية فحسب، بل تشمل أيضا برنامج الصواريخ الباليستية ودعم الوكلاء الإقليميين، ما دفع خامنئي إلى التدخل.
التهيئة العسكرية للعدوان الأمريكي عبر استخدام قاذفات B2
تؤكد معظم التقارير الغربية أن القاعدة الاستراتيجية للولايات المتحدة في المحيط الهندي تستضيف الآن خمس قاذفات “B-2” على الأقل، بموازاة تكثيف دائرة انتشار القوات الامريكية في المنطقة؛ حيث غادرت حاملة الطائرات الأميركية “كارل فينسون”جزيرة غوام الواقعة في المحيط الهادئ، وهي في طريقها إلى المنطقة.
هذه التطورات تأتي بعدما نُشرت يوم الخميس الماضي، صور أقمار صناعية تُظهر ثلاث قاذفات “B-2” الخارقة للتحصينات في القاعدة الأميركية-البريطانية في جزيرة دييغو غارسيا، الواقعة في المحيط الهندي، وذلك قبل أن تؤكد مدوّنات تهتم بمتابعة هذا الشأن أن القاعدة باتت تضم اليوم أربع قاذفات أخرى موجودة في المواقع المحصنّة.
إذا ما صحّت هذه المعلومات، سيكون عملياً ما يقرب من نصف أسطول قاذفات “B-2” موجوداً حالياً في الجزيرة. فضلاً عن هذه القنابل الاستراتيجية والخارقة للتحصينات، أشارت مواقع أخبارية عسكرية، ومدوّنات تتبع مصادر استخبارية مفتوحة إلى أن الولايات المتحدة نقلت إلى الجزيرة، وإلى المنطقة عموماً، طائرات تزوّد بالوقود ومرافقات إضافية ضرورية لدعم القاذفات في مهماتها العسكرية المتقدّمة.
اللافت في هذه التحركات، أن جزيرة دييغو غارسيا، التي تسيطر عليها بريطانيا في المحيط الهندي، وتضم القاعدة الأمريكية-البريطانية المشتركة، تبعد فقط 3800 كم عن إيران التي تملك صواريخ بالستية تصل فقط إلى 2000 كم فحسب. وفي السابق، استخدمت القاعدة نقطةَ انطلاق للعمليات العسكرية المهمة، زمن ضمن ذلك، الحرب على أفغانستان (2001)، والعراق (2003).
وفي الإطار، تُعد قاذفات “B-2” الأكثر تقدماً بين الطائرات التي تملكها الولايات المتحدة، وتتميز بإمكانات التخفي وحمل قنابل خارقة للتحصينات، فضلاً عن قطع مسافات جوية بعيدة. يملك سلاح الجو الأمريكي 20 طائرة من هذا النوع، وهي موجودة في قاعدة ميزوري. وقد انطلقت الطائرات من هذه الأخيرة ونفذت عدّة هجمات على اليمن، في أكتوبر/تشرين الثاني الماضي، قبل أن تعود إلى “بيتها”.
في السياق الإيراني، يصبح هذا النوع من الطائرات مهماً بالذات لقدراته على حمل قنابل “MOP” الخارقة للتحصينات، حيث تزن كل واحدة من هذه القنابل 14 طنّاً، وقد طوّرت خصيصاً لمهاجمة المخابئ المُحصنة التحت أرضية.
الردّ الإيراني
مع استمرار التهديدات الأمريكية ضد إيران، قامت السلطات الإيرانية على اختلاف مستوياتها في التراتبية داخل النظام بردٍّ “حازمٍ” و”صارمٍ” و”قويٍّ” و”مزلزلٍ” وغيرها،وصلت إلى ذروتها ليلة الاثنين – الثلاثاء، عندما أكد كبير مستشاري المرشد الإيراني، علي لاريجاني، أن بلاده ستضطر لصناعة القنبلة النووية إذا تعرضت لقصف أمريكي وصهيوني ، مشيراً إلى أن البرنامج النووي الإيراني “لن يُعطّل بالقصف”.وأضاف أنَّه تم التخطيط للتكنولوجيا النووية الإيرانية بطريقة أنه “حتى إن تعرضت للقصف، لن تشهد توقفاً”، محذرًا من أنَّ “العمل العسكري ضد إيران لن يكون دون تبعات”. لكنَّ وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، قال مساء أمس الثلاثاء، إنَّ بلاده “تؤكد مجدداً أنَّها لن تسعى أبداً تحت أي ظرف كان إلى امتلاك وتطوير أو حيازة أي أسلحة نووية”، لتمثل تصريحاته تراجعاً عما أدلى به لاريجاني.
كما توعد رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف ب”تفجير المنطقة برمتها” واستهداف جميع القواعد الأميركية فيها، وصولاً إلى استهداف حلفاء الولايات المتحدة، في حال تمّ الاعتداء على إيران. وكانت صحيفة ذا تلغراف البريطانية نقلت قبل أيام عن مسؤول عسكري إيراني رفيع قوله إن طهران ستضرب القاعدة البحرية الأميركية البريطانية دييغو غارسيا ردا على أي هجوم أميركي، مضيفاً أنه لن يكون هناك تمييز بين القوات البريطانية أو الأمريكية.
هل تشكل المفاوضات غير المباشرة فرصة للنجاح؟
نقل موقع أكسيوس الأمريكي عن مسؤولَين أميركيَّين تأكيدهما، يوم الأربعاء 2نيسان/أبريل 2025، أنَّ البيت الأبيض يدرس بجدية اقتراحاً من إيران لإجراء محادثات نووية غير مباشرة، في حين يقوم في الوقت نفسه بتعزيز القوات الأميركية في المنطقة بشكل كبير، في حال قرر الرئيس دونالد ترامب توجيه ضربة عسكرية لطهران.
وقال ترامب في أكثر من مرَّة إنَّه يفضّل التوصل إلى اتفاق مع طهران، مانحاً إيران مهلة شهرين للتوصل إلى اتفاق، من دون أن يكون واضحاً ما إذا كان موعد المهلة قد بدأ، ومتى، بحسب “أكسيوس”. وقال الموقع إنَّ البيت الأبيض ما زال منخرطًا في نقاش داخلي بين أولئك الذين يعتقدون أنَّ التوصل إلى اتفاق أمر ممكن، وأولئك الذين يرون أن المحادثات مضيعة للوقت، ويؤيدون توجيه ضربات إلى المنشآت النووية الإيرانية.
وتحدث الموقع الأميركي عن أن ترامب تلقّى خلال عطلة نهاية الأسبوع ردَّ إيران الرسمي على الرسالة التي بعث بها إلى المرشد الأعلى علي خامنئي قبل ثلاثة أسابيع، مشيرًا إلى أنَّه في الوقت الذي طرح فيه ترامب محادثات نووية مباشرة، وافق الإيرانيون فقط على إجراء محادثات غير مباشرة بوساطة سلطنة عمان.
وفي السياق، قال مسؤول أمريكي لـ”أكسيوس”، إنَّ إدارة ترامب تعتقد أنَّ المحادثات المباشرة لديها فرصة أكبر للنجاح، لكنَّها لا تستبعد الصيغة التي اقترحها الإيرانيون، ولا تعترض على أن يعمل العُمانيون وسطاءً بين الجانبين، كما فعلوا في الماضي. وأكد المسؤولان اللذان تحدث إليهما الموقع أنَّ أي قرار لم يتخذ بعد في هذا الشأن، وأن المحادثات الداخلية ما زالت مستمرة. وقال أحدهما: “بعد تبادل الرسائل، ندرس الآن الخطوات التالية لبدء محادثات وبناء الثقة مع الإيرانيين”.
معادلة الردع النووي
تُصِرُّ إيران على أنَّها تسعى إلى التكنولوجيا السلمية، لكنَّها تقوم بتخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء 60% (مقارنة بنسبة 3.67% في الاتفاق الأصلي)، وهي نسبة غير مبررة للاستخدام المدني، إذْ إِنَّها على بعد خطوة تقنية واحدة فقط من 90% من وقود القنابل.
وقال تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية الشهر الماضي؛ إن مخزونات إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% نمت بشكل كبير خلال الربع الأخير، إلى 275 كيلوغراما، أو ما يكفي من المواد، إذا تم تخصيبها أكثر، لبناء نحو ستة قنابل نووية.
لقد فضلت غالبية القوى النووية الجديدة، أي الواقعة خارج نادي الكبار، الخيار الأول الذي وصلته عبر أساليب ملتوية، بدأت عادة بإقامة برنامج مدني، ثم انتهت إلى برنامج عسكري. وقد رأت هذه القوى التي تقع أغلبها في منطقة جغرافية واحدة (آسيا الوسطى، وشرق آسيا)، أن امتلاك سلاح الردع أفضل لها من الناحية الاستراتيجية، من التوظيف النووي في الميدان السلمي، فالمشاكل التي تعيشها بسبب مخلفات نزاعات الحرب الباردة، والخلافات الإثنية والحدودية، دفعتها للتأمين على النفس بوجه التهديدات التي يمثلها الجار الآخر، كما هو الحال بين الهند والصين، وباكستان والهند، وكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، أو اليابان وجاراتها.
دولتان من الدول غير الموقعة للمعاهدة انضمتا علناً إلى النادي النووي و هما الهند وباكستان بعد إجرائهما تجارب وتفجيرات نووية .أما “إسرائيل” التي تتكتم على وضعها وترفض توقيع المعاهدة، فتؤكد التقارير أنها تمتلك ما لايقل عن 200 رأس نووي.أما كوريا الشمالية فقد اجتازت العتبة النووية على الأرجح، والحال هذه يبدو أن إيران يستهويها مسار النمط الكوري الشمالي.
صحيحٌ أنَّ إيران تخذت قرارا أُحاديًا ” يتحدى الإرادة الدولية” حين أعلنت أنها أصبحت قوة نووية في عام2006، لكنَّها في الحقيقة التاريخية لم تشذ عن القاعدة، بل سارت على الخطى عينها التي سارت عليها بقية الدول النووية الأخرى التي سبقتها في هذا المضمارللدخول إلى “النادي النووي” العتيد. إذ ليس من وسيلة انضمام إلى ذلك النادي العتيد غير تلك: عنوةً وقسرًا وفرضاً لأمر واقع. فالنادي المذكور، وهو قدس أقداس القوة في زمننا هذا،لا تنفتح أبوابه إلا خلعاً وفي وجه الجَسور. ذلك ما فعلته روسيا السوفياتية، عندما أنهتْ احتكار الولايات المتحدة لسلاح الإفناء الشامل، فافتتحتْ بذلك حقبة الاستقطاب الثنائي،وذلك ما فعلته بعدها فرنسا الديغولية، ثم الصين الشعبية فالهند “الديمقراطية”، فكوريا الشمالية، ذلك الديناصور الستاليني القابع في أقصى الشرق، مدقعاً جائعاً ولكنه نووي الأنياب، وكذلك باكستان الإسلامية، دون نسيان إسرائيل بطبيعة الحال، تلك التي حازت السطوة النووية في “غفلة” أو في تغافل نشيط من القوى الكبرى.إيران فعلت إذن ما فعل سواها، إذ مضت في تخصيب اليورانيوم وتوصلت إلى امتلاك تقنياته.
خاتمة: هل جاء دور إيران بعد العراق وسوريا
يتساءل المحللون في الغرب لماذا هذا الإجماع في إيران حول إمتلاك السلاح النووي؟
إنَّ تطوير البرنامج النووي الإيراني يمكن أن يذهل العديد من المراقبين، في ظل وجود كثافة سكانية في إيران بنحو 92 مليون نسمة في سنة 2025، وإمتلاك البلاد ثروات نفطية وغازية هائلة. إن الجواب عن هذا التساؤل يعبر عنه الإيرانيون في حلقاتهم الخاصة على النحو التالي: من الناحية الجيوبوليتيكية إيران تجد نفسها بجوار قوتين نوويتين هما إسرائيل وباكستان.
في العام 2010، صُنِّف الاقتصاد الإيراني بأنّه ثالث أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط، وبأنّه التاسع والعشرون في العالَم بحجم 337.9 بليون دولار. وقد شكَّل النفط والغاز 80 في المئة من الصادرات الإيرانية التي جلبت 60 في المئة من دخل الدولة. ويتميّز الاقتصاد الإيراني بإمكانات طبيعية وثروات ضخمة من المواد الأوّلية، فهناك ما يقارب 20 في المئة من الأراضي الصالحة للزراعة. وتمتلك إيران 10 في المئة من احتياطي النفط المؤكّد في العالَم، و15 في المئة من الاحتياطي العالَمي من الغاز الطبيعي.
لكنّ إيران تعيش منذ أكثر من ثلاثة عقود في ظلّ حصارٍ اقتصاديّ يُمثِّل ركنا ثابتاً في سياسة الضغط التي تتبعها الولايات المتّحدة، وقد ضربت العقوبات مفاصل اقتصادية رئيسة، وأدّت إلى تراجع النفط بأكثر من النصف، وذلك من 100 بليون دولار إلى أقلّ من 50 بليوناً، وأدّت التحوّلات الجيوسياسية إلى انهيارٍ متواصلٍ للنقد الإيراني.
ومن هنا كان الرهان الكبير على القرار الاستراتيجي لإنجاز الاتّفاق النووي مع الدُّول الست، على أن يضمن للرئيس روحاني الفَوز بولاية ثانية، حتّى أنّ الآمال الكبيرة بذلك ارتفعت بعد توقيع الاتّفاق في حزيران (يونيو) 2015، والبدء بتنفيذه في 17 كانون الثاني (يناير) 2016، ووصف الرئيس روحاني هذا الإنجاز بأنّه يمثِّل “صفحة ذهبيّة في تاريخ بلاده”، ولاسيّما لجهة فكّ الحصار المالي والاقتصادي وعودة إيران إلى التفاعل مع الاقتصاد العالمي بشكلٍ يُعيد إنعاش اقتصادها.
وفضلا عن ذلك، فإنَّ إسقاط نظامي صدام حسين وبشار الأسد من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، بينما تستمر واشنطن في الوقت عينه محاورة كوريا الشمالية(القوة التي تمتلك الأسلحة النووية)، أقنعت القيادة الدينية والسياسية الإيرانية أنَّ إمتلاك السلاح النووي هو الضمانة الحقيقية والوحيدة لتجنب الضربة الأيريكية. فقد هاجمت الولايات المتحدة الأميركية العراق واحتلته بسبب عدم إمتلاكه قوة ردع سواء أكانت نووية أو سواها من أسلحة الدمار الشامل الأخرى، في حين أنها لم تهاجم كوريا الشمالية.
في القماشة الخلفية للسياسة الإيرانية منذ سنوات السبعينيات، ونظرا للإجماع الوطني الذي تثيره، تبرز إيران كقوة إقليمية معترف بهيمنتها. وأصبحت المطالبة بهذه الوضعية واحدة من عناصر الهوية الوطنية الإيرانية. إضافة إلى ذلك يجمع الطيف السياسي الإيراني على مسألة إمتلاك إيران السلاح النووي بوصفه ضمانة للإستقلال والإحترام والهيبة. ويقول الإيرانيون في مجالسهم الخاصة، أنظرو إلى باكستان. فهذا البلد الذي خلق تنظيم “طالبان” الأفغاني، والذي حمى وغذى تنظيم “القاعدة”، والذي لا يتوانى اليوم عن مكافحة الأصولية، هذا البلد يكاد لا يشار إليه حتى بالأصبع. هل تعرفون لماذا؟ لأنه يمتلك قوة ردع نووية.
يجمع المحللون الغربيون أن ضرب المنشآت النووية الإيرانية مسألة أكثر تعقيدا من ذلك الهجوم الذي قادته إسرائيل لضرب المفاعل النووي العراقي “أوزيراك” في حزيران/يونيو عام 1981. فتلك العملية تمت التهيئة لها في كنف السرية المطلقة، وفاجأت الجميع في العالم، أما العملية المقترحة ضد إيران فيتم الخوض فيها علنا وفي وضح النهار، ولا يمكن أن تفاجئ أحداً. وفضلا عن ذلك، المسافة التي قطعها الطيران الصهيوني للوصول إلى بغداد هي قصيرة نسبيا، والهدف يتمثل بمفاعل نووي واحد. أما المنشآت النووية الإيرانية، فهي موزعة على طول وعرض البلاد (وتقدر ما بين 30 إلى 50 موقعاً)، وهي بكل تأكيد محمية. وأخيرا، لم يكن عراق صدام حسين يمتلك أسلحة الردع الكافية التي تمتلكها إيران اليوم ـ ليست الأسلحة المباشرة فقط ـ وإنما من خلال تسخين الحوثيين في اليمن الذين يخوضون المقاومة ضد أمريكا و”إسرائيل”، وتكثيف دعمها للحركات الإسلامية الجهادية التي تقاتل الكيان الصهيوني ، خاصة أنَّ الصراع العربي -الصهيوني، وإسقاط نظام الأسد، لهما إسقاطات مدمرة على بلدان الشرق الأوسط كلها.

  • Related Posts

    من الأبارتايد إلى BDS: مسارات المقاطعة العالمية .. بقلم محمدعلي عقربي

    يعد الإمتناع الاقتصادي عن شراء البضائع التي تُسهم في تمويل النزاعات المسلحة واحدة من أبرز الآليات الاحتجاجية السلمية التي يستطيع الأفراد والجماعات استخدامها للتعبير عن معارضتهم للقهر والعدوان. هذا الفعل،…

    استمرت 5 ساعات ونصف.. انتهاء جلسة المباحثات الروسية الأمريكية في إسطنبول (فيديوهات)

    أفاد مراسلنا بانتهاء جلسة المحادثات الروسية الأمريكية في قصر القنصلية الروسية العامة في مدينة إسطنبول، مشيرا إلى أنها استمرت لمدة 5 ساعات ونصف الساعة. المدخل الرئيسي للقنصلية العامة الروسية في…

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *