العربية Français Anglais

الكاتبة التونسية اسيا العتروس تكتب: البيجر وثيقة إدانة مشتركة في جرائم الإبادة في غزة

هناك تفاصيل لا يمكن اسقاطها في اللقاء الذي جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العائد إلى البيت الأبيض و رئيس الحكومة الإسرائيلية مجرم الحرب نتنياهو , فاللقاء و هو الأول بين الرجلين بعد عودة ترامب إلى السلطة أعلن بمقتضاه صراحة أن الإدارة الأمريكية ستذهب بعيدا في إطلاق يد نتنياهو لمواصلة العبث الحاصل في حق الفلسطينيين و في كامل المنطقة و أنها حريصة على ضمان الحصانة المطلقة لنتنياهو لمواصلة ما بدأه في الضفة من إبادة جماعية امتدت إلى مخيم جنين في الضفة و هي لا تزال مستمرة حتى كتابة هذه الأسطر .

لم يذهب نتنياهو فارغ اليدين إلى البيت الأبيض فقد حمل إلى مضيفه هدية قد تبدو للمتتبع وللوهلة الأولى غريبة و لكنها في أبعادها شعار يجمع ترامب و نتنياهو حول هدف واحد ..الهدية التي أسعدت ترامب تمثلت في جهازي بيجر أحدهما مطلي بالذهب حملهما نتنياهو مفاخرا بالعملية الإرهابية التي أقدمت عليها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية عندما فخخت عددا من البيجرات التي استوردها حزب الله لفائدة عناصره و قتلت و أصابت بمقتضاها عددا من الأبرياء في لبنان ..و العملية تمت قبل انتخاب ترامب و قبل عودته إلى البيت الأبيض و قد علق عليها بارتياح واضح بالقول “كانت عملية رائعة “.

الواقع أن الهدية التي يمكن اعتبارها وثيقة إدانة إضافية ضد نتنياهو و ضد كيان الاحتلال تعكس عمق التواطؤ بين الجانبين و هذه في الواقع مسألة ليست بالجديدة أو المفاجئة في العلاقات بين واشنطن و تل أبيب عبر مختلف الادارات المتعاقبة .

لا خلاف أن عملية البيجر التي أقر الاحتلال في وقت لاحق أنه استعد لها طوال سنوات حتى يتوصل إلى تفاصيل الصفقة و يتمكن من الوصول إلى الشركة المصدرة و يتمكن بما يتوفر له من علاقات استخباراتية متشابكة و من قدرات تكنولوجية و من تحكم في خدمات الذكاء الاصطناعي من التخطيط لهذه العملية و تنفيذها فيما كانت حرب الابادة متواصلة في غزة بما , و ستمكن هذه العملية لاحقا الاستخبارات الاسرائيلية من استهداف عدد من القيادات العسكرية و السياسية التاريخية في حزب الله و في حركة حماس باستهدافها رئيس الحركة إسماعيل هنية في العاصمة الايرانية طهران بما يؤكد حصول اختراق خطير في صفوف المقاومة اللبنانية و الفلسطينية سيؤدي إلى توجيه ضربات متتالية للمقاومة على الجبهتين .

و لعلنا لا نبالغ إذا اعتبرنا أن حرب الإبادة التي استهدفت غزة طوال خمسة عشرة شهرا كانت حرب التكنولوجيا و الذكاء الاصطناعي بامتياز حيث اجتمعت القدرات التكنولوجية و التوحش الآلي لينتج ما تابعه العالم من جرائم حرب و جرائم تصفية عرقية و تهجير و تجويع تم استخدام مختلف أنواع الاسلحة المتطورة التي حولت غزة و أهلها إلى مختبر مفتوح للقنابل الذكية و لكل الهجمات الجوية التي لم تكن تميز بين مدرسة أو مستشفى أو بيت أو مسجد او كنيسة .

تعليق ترامب و هو يتلقى الهدية مفاخرا بأنها “كانت تلك عملية رائعة”، في إشارة لعملية تفخيخ أجهزة البيجر لعناصر حزب الله تعكس مباركة الرئيس الأمريكي كما سابقه بايدن علما و أن وزير الحرب المستقيل غالانت كان اتصل قبل تلك العملية بوزير الدفاع الامريكي أوستن قبل تنفيذها ، و الارجح أن الخطوة اتخذت بعد الحصول على الضوء الأخضر الأمريكي و ربما بإيعاز منه .

بدوره كان ترامب سخيا مع ضيفه فقد قدم له بدوره صورة جمعتهما في وقت سابق كتب عليها إهداء “إلى بيبي -لقب نتنياهو-، القائد العظيم”،و طبعا بقية الحكاية معلومة و كما سبق لترامب في ولايته السابقة أن أهدى نتنياهو هضبة الجولان فقد منحه هذه المرة ما لم يجرأ أحد من القيادات الاسرائيلية أن يحلم به في المنام عندما أعلن عن خطته لتهجير مليوني فلسطيني من غزة و تحويلها إلى ملكية لأمريكا ..وقناعتنا أن ناتنياهو نفسه صدم و لم يكن ليتوقع مثل هذا الأمر و لكنه اعتبره من التحصيل الحاصل و الحال أن أغلب القيادات الاسرائيلية وخاصة شارون كان يتمنى أن يستيقظ يوما و قد غرقت غزة في البحر و اختفت من الخارطة نهائيا .

 ليس من الواضح إن كان بالإمكان أن يأتي يوم يكشف فيه عن مسار تلغيم أجهزة البيج، التي استوردها حزب الله من شركة تايوانية قبل دخولها لبنان والتكتم في شأنها إلى حين وقوع الكارثة , ولكن الواضح أن تكرار الأمر لن يكون بالغريب إطلاقا في ظل انهيار القانون الدولي و ترنح العدالة الدولية مقابل هيمنة قانون الغاب وتوحش الاحتلال الإسرائيلي مدعوما بالترامبية بقيادة ترامب الحالم بوضع اليد على كندا وغرين لاند و قناة بنما وصولا إلى السطو على قطاع غزة المنكوب الغارق في المآسي و الخراب و الدمار مستكثرا على أهلها حقهم في البقاء بين الأنقاض و الدمار ..

إزاء هذا الواقع العبثي تنعقد قمتان عربيتان في السعودية و مصر للرد على الإهانات المتكررة و محاولات تصفية القضية الفلسطينية و اقتلاع مليوني فلسطيني في غزة من أرضهم تمهيدا لاقتلاع البقية من الضفة ..و اذا حدث هذا الامر فسيعني بكل بساطة أن خطة ترامب لن تتوقف عند هذا الحد و ستجرف الجميع .

الموقف المصري رافض رفضا قطعيا لتهجير أهل غزة من أرضهم تماما كما هو الحال بالنسبة للاردن رغم الحملة الشرسة التي طالت الملك الأردني في أعقاب اللقاء مع ترامب الذي تعمد احراجه ووضعه في الزاوية أمام العلن ,السعودية التي قد تحتضن اللقاء المرتقب بين ترامب و بوتين مرشحة للقيام بدور على درجة من الأهمية بعد اقتراح الرئيس الامريكي أن تكون ساحة لهذه المفاوضات لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية ، و السعودية كانت واضحة في ردها على وقاحة نتنياهو بأنها أرض شاسعة و يمكن أن تقام في جزء منها دولة فلسطينية .

طبعا مثل هذه المحاولات من جانب ترامب و نتنياهو ستستمر لتستمر معها لعبة الابتزاز و المساومات الحقيرة و سيكون من المهم أن يفهم ترامب أن دماء و أرواح الفلسطينيين ليست أقل قيمة من دماء و أرواح الأوكرانيين و أن حق الفلسطيني في العيش على أرضه ليس منة أو هدية من نتنياهو .

 

  • Related Posts

    متغيرات جيو استراتيجية غير مسبوقة : هل تقدم القمة العربية ” الطارئة” رسائل واضحة الى حكام أمريكا واوربا؟ ..  بقلم كمال بن يونس

      من المقرر أن تعقد خلال الأيام القادمة قمة عربية ” طارئة ” جديدة في مصر الشقيقة ، ردا على ” تهديدات الرئيس الأمريكي ترامب ” ولمحاولة وقف العدوان الإسرائيلي…

    “حماس” تطالب المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل للانتقال إلى المرحلة التالية من وقف إطلاق النار

    طالبت حركة “حماس” المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل للدخول في المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة دون تأخير، عشية انتهاء المرحلة الأولى منه. Gettyimages.ru وقالت “حماس” في…

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *