الحاجة لترميم موقف الجزائر من سورية
لم يكن الموقف الجزائري من سورية موفقاً. على الأقل هذا تقدير سياسي ليس عليه خلاف، حتى داخل المجتمع الدبلوماسي. قبل أسبوع من سقوط بشار الأسد، كان وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف يهاتف وزير خارجية النظام بسام الصباغ، ليؤكد وقوف الجزائر مع دمشق ضد ما وصفه بيان وزارة الخارجية الجزائرية “التهديدات الإرهابية”، والمقصود بها كان قوات “ردع العدوان” التي كانت في طريقها إلى دمشق، لإراحة الشعب السوري من نظام بعثي ساقط أخلاقياً وسياسياً، شهد معه السوريون خلال خمسة عقود الويلات والخيبات والهزائم.
إذا كان وصف قوات المعارضة تلك بـ”الإرهابية” بالمرجعية الأميركية، فتصنيفات واشنطن ليست بالمطلق مرجعاً لوسم الكيانات والأفراد. وإذا كانت بالمعنى السياسي، فهي قراءة متسرعة وغير حكيمة، ولا تنطلق من الحقيقة السورية التي كانت قائمة عشية سقوط الأسد، خصوصاً أنّ المعارضة السورية كانت قد أقامت نموذج حكم مدني في شمال سورية على نحو يعطي صورة واضحة أنها أبعد ما تكون عن معنى الإرهاب وعن تنظيم داعش الذي كان قد اقتحم في فترة ما المشهد السوري، بحيث أدى دوراً بالغ السوء في إعادة إنتاج شرعية لنظام الأسد.
أبسط قراءة استشرافية في خضم الأحداث المتسارعة، مع تطور هجوم المعارضة في بداية ديسمبر/ كانون الأول الحالي، كان يمكن أن تؤدي إلى صورة بالغة الوضوح أن النظام السوري ينهار. وإذا أضيفت إلى ذلك معطيات الجهاز الدبلوماسي ومسالك إيصال المعلومات والتحليلات إلى المؤسسة الرسمية، فإن الأمر يصبح أكثر وضوحاً، ويفترض أن يدفع على الأقل إلى ترقب المآلات بدلاً من التسرع للاتصال بنظام يتداعى. وقد كانت تلك خطوة بلا معنى، وقراءة متأخرة للأحداث وغير موفقة بكل معيار سياسي ممكن. بعد ذلك بأسبوع، كانت الخارجية الجزائرية تستدرك الموقف، في أعقاب سقوط بشار ودخول قوات المعارضة إلى دمشق. وحسناً فعلت في إعلان “وقوفها إلى جانب الشعب السوري الشقيق”، والدعوة إلى “الحوار بين أبناء الشعب السوري بكافة أطيافه ومكوناته”.
الشعب السوري هو أكثر الشعوب العربية – إضافة إلى الشعب الليبي – الذي وفر بالغ الدعم والإسناد الكامل لصالح الشعب الجزائري في ثورته المظفرة، واحتضن الأمير عبد القادر الجزائري وجالية جزائرية تاريخية، لذلك يحتاج الموقف الجزائري من التطورات في سورية إلى ترميم سياسي ورسمي، بعد مواقف بالغت في الاندفاع لصالح النظام الساقط، وإلى جهد رصين لتصحيح الموقف وبناء قاعدة تعامل مع سورية الجديدة، ومساعدة دمشق بالقدر الممكن وفي كل محفل إقليمي ودولي، لصيانة حقوقها التي ضيعها النظام الفاسد، الذي لم يطلق رصاصة واحدة منذ خمسة عقود لتحرير الأرض المحتلة.
الدرس السوري الحقيقي، في هذا السياق، هو “تذهب الأنظمة، الشعوب تبقى”. والوقوف مع الدولة، أياً كانت، (على غرار الدفاع عن حق سورية في مقعدها في الجامعة العربية)، أو رفض أساليب التغيير العنفي، لا يجب أن يتعارض مع مطالب الشعوب واستحقاقاتها. لذلك فإن بناء المواقف السياسية يتعين أن يأخذ هذا العامل باعتباره أساساً رئيسياً، بحيث لا تتصادم المواقف الجزائرية مستقبلاً مع قيم ثورة التحرير التي تقدس الحرية، ولا مع التطلعات المشروعة والحقيقية للشعوب، ذلك أن الشعب يأخذ – قبل السلطة – مركزه الأساس في التعريف السياسي للدولة.
إرسال التعليق