العربية Français Anglais Facebook YouTube

ماذا وراء الاصرار الامريكي على منع ايران من امتلاك سلاح نووي لا تسعى له طهران؟ .. بقلم الاستاذ هاني مبارك

تركيز التصريحات الصادرة عن ثلاثي صناعة القرار في الولايات المتحدة على عدم السماح لايران بامتلاك السلاح النووي، يبدو انها كلمة السر التي تفهمها ايران جيدا، وتمنح الجانبين هامشا واسعا من حرية التصعيد الاعلامي الذي من شأنه ان يوفر غطاء لمساحة كبيرة من المناورات التفاوضية للبحث في الجوانب الاهم والاخطر في العلاقات بين الطرفين.

فالولايات المتحدة تدرك مدي اهمية وجدية فتوى المرشد الاعلى للثورة الايرانية بتحريم انتاج اي من اسلحة الدمار الشامل والتي تحولت بعد عامين من فتوى شفوية اطلقها في عام 2003،، الى بيان رسمي للحكومة الإيرانية اعلنته في اجتماع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا عام 2005، وقيل حينها أنّ هذه الفتوى تُحَرِّمُ «إنتاج، وتخزين، واستخدام الأسلحة النووية»، ورغم ذلك فان الادارة الامريكية بلسان رئيسها ووزيريها للدفاع والخارجية تصر على تكرار الاعلان عن عزمها منع ايران من امتلاك السلاح النووي، الامر الذي يدعو للتساؤل عن اسباب هذا الاصرار الامريكي على تكرار اعلان من هذا القبيل؟؟.

صحيح ان التراجع عن هذه الفتوى يمكن ان يتم في اية لحظة وان الامر لا يتطلب سوى بيان من علي خامنئي، وان ايران ايضا جادة في الرفع من مستويات تخصيب اليورانيوم المستعمل في الصناعات الحربية، والاعتقاد هنا انها لتحسين شروط التفاوض والردع معا، وصحيح انها قد تسعى لامتلاك سلاح نووي بعد ان فشل برنامجها الصاروخي بتحقيق اهدافه الردعية خلال عملية الوعد الصادق، غير ان كل ذلك يبقى تفصيلا في سياقات استراتيجية اعمق واشمل، حيث لن يكون هناك اختلاف كبير في مد النفوذ الاقليمي عن طريق تصدير النموذج – وهي نزعة الجناح المتشدد في الحكم الايراني – او عن طريق تحقيق المصالح عبر دور اقليمي ما كما يرى الرئيس مسعود بزشكيان وفريقه الاصلاحي.
بداية لا بد من الاشارة الى ان الخلافات بين الولايات المتحدة وايران تعود بجذورها الى خمسينيات القرن الماضي بعد نجاح المخابرات المركزية الامريكية في الاطاحة بحكومة مصدق واعادة الشاه الى حكم البلاد، غير ان اشدها تدهورا كانت بعد نجاح ثورة 1979، حيث اعتبرت واشنطن ذلك انقلابا على اتفاقية عام 1959 التي نجحت باقناع الشاة بتفضيلها على العرض السوفييتي حينها بمعاهدة سلام لمدة خمسين عاما والتي أُعتبرت على اساسها سلامة ايران وحماية نظامها احدى ركائز المصالح الحيوية الامريكية حيث ستكون لطبيعة اي نظام حكم في ايران دورا رئيسيا في توظيفه لموقع ايران الجيوسياسي في منطقة حساسة وغير مستقرة حيث تسيطر على التخوم الشمالية للشرق الأوسط، والطرق الاستراتيجية بين أوروبا وشرقي إفريقيا وجنوبي آسيا ولديها ثلث النفط العالمي.

هذا الادراك الامريكي لاهمية موقع ايران الجيوسياسي وتأثيره على صراع النفوذ بين القوى الكبرى، اخذ طابعا اكثر حساسية، ليس فقط بعد نجاح ثورة الخميني، بل بعد ان كشف النظام الجديد عن طبيعته في الرغبة في تصدير نموذجه الى الدول المجاورة، متجاوزا في محاولة تحقيق ذلك اساليب الاقناع عن بعد، الى بناء بؤر واذرع ميدانية له في المنطقة، بالتوازي مع بناء قوة ردع بعيدة المدى تمثلت ببرنامجه الصاروخي المتنوع، والذي اثبت جدواه في الردع والرفع من تكاليف اية مواجهة محتملة مع طهران.

وعليه فان ما يقلق واشنطن الان هي عدم قدرتها على الخروج من سجن اكذوبتها عن سعي ايران لامتلاك سلاح نووي، التي شكلت غطاء لطهران لتطوير برنامجها الصاروخي وبناء اذرعها الاقليمية، والتي صار التخلص منهما يتطلب كلفة عالية قد تدفع لزعزعة استقرار المنطقة وعدم القدرة على احتواء كرة النار اذا اشتعلت، اذ لم يستطع ترامب الى هذه اللحظات ان يحرز اي هدف ذو اعتبار في مواجهة الحوثي الذي يتعرض لاعنف هجوم امريكي منذ اندلاع المواجهة بين الطرفين، في الوقت الذي ترفض فيه ايران مناقشة اي موضوع خارج شروط رفع العقوبات عنها والوصول الى اصولها المالية المجمدة في اطار وضع بعض الضوايط على برنامجها النووي الذي لم يعد بعيدا عن ان يتحول لبرنامج عسكري كل التقديرات تقول ان السلطات الايرانية غير معنية به، باعتبار ان نجاحها في تأمين سلامة برنامجها السلمي وتطوير استخداماته حتى في اطار الصناعات العسكرية سيكون ذات تأثير ايجابي اكثر من ان يتحول الى برنامج عسكري ستكون كلفته اعلى بكثير وان مردوده الاستراتيجي سيكون اقل.

ان عدم وجاهة اي طرح امريكي لتجريد ايران من سلاحها التقليدي وبرنامجها الصاروخي، هو ما يقف وراء الاصرار الامريكي على تكرار عزمها منع ايران من امتلاك سلاح نووي، حيث يوفر لها هذا التكرار مزيدا من الوقت للتصعيد في حرب العقوبات الاقتصادية لاضعافها اقتصاديا وتعميق ازماتها الاجتماعية ومحاولة الاطاحة بالنظام، او النجاح باقناعة من خلال محفزات اقتصادية وفتح افاق تعاون ثنائي معه بالتخلي الطوعي عن طبيعته بالرغبة في تصدير نموذجه لدول الجوار والقطع مع اذرعه الاقليمية ووضع ضوابط آمنة لبرنامجه الصاروخي الذي بات تهديدا مقلقا للقواعد ومناطق النفوذ الامريكية في عدة انحاء من الاقليم وجواره.

والمؤكد في هذا السياق ان تهديدات ترامب بالهجوم العسكري على ايران تكتسي طابعا جديا في حال فشل المسار التفاوضي باقناع النظام الايراني بالعدول عن طبيعته بالسعي للانتشار الاقليمي وقطع علاقاته باذرعه الاقليمية والحد من التوسع في برنامجه الصاروخي الذي يهدد استقرار المنطقة ومصالح الولايات المتحدة فيها، وايران من جانبها تدرك ذلك، وتدرك ايضا سقف المناورة المتاحة الذي تعمل على رفعه من خلال اثارة ذعر دول الجوار الذي اثمر الى الان في رفض السماح للولايات المتحدة بزجها طرفا في اي مواجهة محتملة، والفيصل في كل ذلك سيكون عامل الوقت ولمصلحة من سيكون، الذي يبدو ان وقت ترامب ان استمر على هذه الوتيرة لن يكون متوافقا مع الوقت الطبيعي لاستخدام القوة.

  • Related Posts

    القمة العربية ببغداد في ماي .. ما الجديد ؟ بقلم سنية الفتوحي

    لأول مرة منذ 35 عاما قمة عربية في العراق   – تتواصل بالعاصمة العراقية بغداد الإستعدادات لاحتضان الدورة ال34 للقمة العربية المقررة يوم 17 ماي القادم ، حيث من المتوقع…

    اجتماعات فلسطينية تاريخية …والعين على واشنطن .. بقلم الاستاذ هاني مبارك

    هاني مبارك – استاذ الاعلام في جامعة منوبة يعقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية يوم الخميس القادم اجتماعا يسبقه اجتماعين للجنة المركزية لحركة فتح يرأس الثاني منهما الرئيس محمود عباس…

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *