“الجيل الجديد من السينما” بين رسالة التعريف بقضايا التحرر الوطني وتوظيفها في هدم الذاكرة
الأستاذ كمال بن يونس
اعلامي واكاديمي تونسي
المقدمة
أسفرت الثورة العلمية والتكنولوجية خلال القرنين الماضيين تقدما في مجالات عديدة افرز بدوره ثورة غير مسبوقة في عالم الاتصال وأساليب الترويج للثقافات والاخبار لاسيما عبر السينما ووسائل الاتصال الجديدة .
ولئن وظفت الدول الصناعية والقوى الاستعمارية منذ مطلع القرن الماضي السينما والاعلام للتعريف بسياساتها وبرامجها وحروبها العالمية والإقليمية ، فقد ادركت فصائل من حركات التحرر الوطني العالمية مبكرا أهمية توثيق كفاحها وحراكها.
ولئن اقترنت عقود ما بعد الحرب العالمية الثانية بانتصارات حركات التحرر الوطني عالميا ،من افريقيا وامريكا اللاتينية الى اسيا ، فقد تزايد اعتماد هذه الحركات على وسائل الاتصال ومؤسسات الإنتاج السينمائي لحفظ ذاكرتها والتعريف بقضاياها العادلة وتتويج انتصاراتها ميدانيا على سلطات الاحتلال بكسب ورقة الانتصار الديبلوماسي والإعلامي والثقافي.
ورغم تراجع الاقبال على قاعات السينما عالميا انتشرت ” السينما الجديدة” بفضل وسائل الاعلام الجماهيرية التقليدية مثل التلفزيون والحديثة مثل الحواسيب وأجهزة الهاتف الرقمية المرتبطة بصفة دائمة بالشبكة العالمية للمعلومات الانترنيت.
في المقابل تزامن التقدم السريع في عالم الاتصال وتكنولوجيا المعلومات وفي قطاع السينما مع تحرك لوبيات دولية مرتبطة بالقوى الاستعمارية القديمة والجديدة بهدف توظيف السينما ووسائل الاتصال الرقمية وثورة الانترنيت والاقمار الصناعية لمحاولة ” هدم الذاكرة ” ، ذاكرة الشعوب وذاكرة حركات التحرر الوطني والاجتماعي والسياسي .
فكيف يجب أن نفهم اليوم الإشكاليات التي لديها علاقة برسالة السينما عموما والسينما الجديدة خاصة في حفظ ذاكرة قوى التحرر الوطني والتصدي لسيناريوهات توظيفها ضمن سياسات تزييف التاريخ و احداث خلل في المشهد الثقافي والسياسي العالمي الحالي؟
واذا كانت السينما التقليدية ساهمت في التعريف بالقضايا العادلة لحركات التحرر الوطني عربيا وافريقيا وعالميا في الجزائر وفلسطين و أمريكا اللاتينية وشرق اسيا مثلا ، فهل تنجح ” السينما الجديدة ” ووسائل الاتصال الرقمية والمواقع الاجتماعية في كسر الحصار الإعلامي والثقافي والسياسي والتعثر الديبلوماسي الذي تواجهه قوى التحرر الوطني الجديدة شرقا وغربا ، حركات ودولا ومؤسسات ، لاسيما في العالم العربي الإسلامي وما سمي ب” الشرق الأوسط الكبير” ؟
وما هي التوصيات الذي يمكن ان تقدمها في هذا السياق ندوة دولية عن السينما وحراك التحرر الوطني مثل هذه التي تنظم في الجزائر المجاهدة وهي تحيي الذكرى ال70 لاندلاع ثورة 1 نوفمبر 1954 الخالدة ؟
- I. التوافق حول المفاهيم والاشكاليات
- مفهوم السينما والسينما الجديدة :
ما هو التعريف الأقرب الى الجميع بالنسبة لمصطلحات ومفاهيم لابد من التوافق الأدنى عليها قبل تناول إشكالية هذا الملتقى وهذه الورقة / المداخلة عن السينما الجديدة ورسالتها في التعريف بحركات التحرر الوطني وبالذاكرة الوطنية وتوظيفها في هدم الذاكرة ؟
يمكن أن ننطلق من تعريف واضح وغير معقد للسينما باعتبارها “توثيق صور في شكل متحرك ثم بثها في أفلام مختلفة الاشكال والاحجام”.
والسينما هي استخدام الكاميرا لنقل صور حية متحركة توثق بطرق فنية ووفق سيناريو خاص للخبر بالمفهوم الواسع للمصطلح .
والخبر قد يقدم في شكل نص مكتوب او مصور يهم حدثا عابرا او حراكا يمتد لفترة طويلة يهم فردا او مجموعة بشرية او شعوبا ودولا او العالم كله .
وقد يقدم الخبر في شكل اعلان مكتوب او مصور او عبر ” صور متحركة ” تجمع بينها رؤية متناسقة ويوحدها سيناريو ومنهج فني متميز في الإخراج والتركيب والتأليف بين الصورة وفي التقديم للجمهور . ويكون ذلك في شكل فيديو او شريط سينمائي قصير او متوسط او طويل حسب اهداف الفنان او الفنانين ومرجعياتهم ومدارسهم الفنية والثقافية واجنداتهم السياسية والمعطيات التقنية والمادية والتجارية المرصودة على ذمتهم.
وبالنسبة للسينما الجديدة فهي تختلف عن تلك التجربة السينمائية الأولى التي برزت أواخر القرن 19 في اوربا وازدهرت في القرن 20 في أمريكا من يحث أساليب الإخراج مضامينها والتقنيات الموضوعة على ذمتها في مراحل الإخراج والإنتاج والتقديم والتسويق . وقد ازدهرت بعد ثورة الاقمار الصناعية والشبكة العالمية للمعلومات ،الانترنيت، وانتشار وسائل الاتصال الرقمية ثم الصناعات الذكية . ويمكن تشبيه الفوارق بين السينما الجديدة والسينما التقليدية بالفوارق بين “الراديو اللاسلكي” ثم “المذياع “الذي تأسس وبدأ البث في أمريكا واوربا أواخر القرن 19 والاذاعات الحديثة التي تبث عبر الأقمار الصناعية ووسائل الاتصال الرقمية الجديدة .
- السينما والسينما المقاومة وسينما الذاكرة الوطنية ومفهوم المقاومة ؟
في نفس الوقت تفترض المنهجية العلمية التوافق الأدنى حول مفهوم “سينما المقاومة” ، او “سينما التحرر الوطني” ، والفوارق بينها وبين بقية الاشكال السينمائية في المؤسسات الفنية والثقافية والإعلامية ” المستقلة ” او ” الخاصة “.
على هذا الصعيد تبرز اختلافات بين رسالة مخرجي السينما ،خاصة بين تلك التي تدعمها حكومات وطنية من دول ” الجنوب ” أو حركات تحرر محدودة الإمكانيات ، وتلك التي تتحكم فيها حينا اجندات مؤسسات تجارية ربحية وشركات راسمالية وحينا آخر ” لوبيات” سياسية وإعلامية تتراوح أولوياتها بين الدعاية والبروبغندا و إعادة انتاج خطاب بعض الحكومات والأطراف السياسية ثم الترويج له بصيغ ” فنية”.
وهنا لابد من نسلم ان الحد الأدنى المشترك بين سينما المقاومة وافلام حفظ الذاكرة التي تدعمها حركات التحرر الوطني هي الأفلام المختلفة الاحجام والاشكال التي تتناول في شكل أفلام توثيقية او اشرطة سينما دراما عادية لقضايا التحرّر الوطني والانعتاق من الاحتلال والاستبداد.
كما نسجل ان اغلب الدارسين والمراقبين يقرون ان هذا النوع من السينما شكل في مناطق عديدة من العالم منذ القرن الماضي جبهة من جبهات النضال الوطني والكفاح ضد الاحتلال والظلم والاستبداد .
واذا كانت الديبلوماسية حلقة من حلقات متابعة الحروب عامة وحروب التحرر الوطني خاصة على الجبهة السياسية فان سينما المقاومة سلاح يرافق الحروب الوطنية بكل اطوارها ويؤثر في مسارها ، ويمكن أن يساهم في اختزال المعارك وفي التعجيل بالانتصار من خلال مساهمة ” الصور الحية ” التي تبثها في التعريف بعدالة قضايا المجاهدين ضد الاحتلال والظلم والاستبداد.
ويمكن في هذا السياق استحضار امثلة حية ضغطت فيها ” الصورة الحية والمتحركة ” و” فيديوهات المقاومة ” في تحريك العالم منذ الثورة الجزائرية وثورة فيتنام وثورات أمريكا اللاتينية وصولا الى الثورة الفلسطينية وانتفاضات اطفالها وشبابها التي وثقها مئات المصورين والفنانين و الاعلاميين دفع كثير منهم حياتها ثمن تكسيرهم للحصار وخوض معارك “الكفاح عبر الكاميرا”.
ومن بين ما يثبت الصبغة الاستراتيجية لهذا النوع من الكفاح الوطني استشهاد مئات المصورين والإعلاميين والفنانين الملتزمين خلال عام واحد في فلسطين المحتلة ولبنان بعد انفجار “طوفان الأقصى” في اكتوبر2023.
لذلك يؤكد المختصون في الاعلام والاتصال وعلم الاجتماع السياسي على العلاقة بين نجاح حركات التحرر الوطني وقوى التصدي للاحتلال وتوفير شروط نجاحها في دعم ” سينما المقاومة ” ادبيا وماديا وتوثيق مسارها للتعريف بعدالة قضيتها من جهة ولصون الذاكرة الجماعية الوطنية والعالمية .
- II. السينما ووسائل الاتصال الحديثة : المنعرج الذي غير العالم
- من السينما التقليدية الى سينما “الشاشة الصغيرة” :
اقترن بروز السينما في اوربا في أواخر القرن التاسع عشر ثم في روسيا وامريكا وبقية العالم منذ مطلع القرن العشرين وخاصة منذ الحرب العالمية الأولى ومرحلة ما بين الحربين بالتنافس العلمي والاقتصادي والعسكري والسياسي بين الدول الصناعية والقوى العظمى .
كما اقترن بمعاركها من اجل بسط نفوذها على ” بلدان الجنوب” وعلى المستعمرات السابقة وثرواتها الطبيعية والبشرية ومواقعها الجيو استراتيجية .
واذا كان الفضل في تأسيس السينما يعود الى الفنانين الفرنسيين اوغست ولوي لومير أواخر القرن 19 فان السينما الامريكية وخاصة سينما “هوليود” سيطرت على السينما ووسائل الاتصال في العالم اجمع وتقدمت شكلا ومضمونا وتجاريا ما بين 1913 و 1969.
ومنذ عقود تطورت السينما العالمية الناطقة بغير الانقليزية والسينما الانقلو سكسونية تحت تاثير ” لوبيات هوليود” ومدارس تلامذتها رغم نجاح سينمائيين وطنيين “هواة” أو “محترفين “من دول الجنوب ومؤسسات اعلام وثقافة تابعة للحكومات والحركات الوطنية في اختراق المشهدين السينمائي والإعلامي وتوثيق مطالب حركات التحرر الوطني وجانبا من كفاحها .
وتطور دور “السينما المنحازة لقضايا التحرر الوطني والاجتماعي والسياسي” بعد الحرب العالمية الثانية بعد اعلان استقلال غالبية دول الجنوب عسكريا ودعم ” الدولة الوطنية الجديدة ” لبرامج ثقافية وسينمائية واتصالية بدأت توثق التاريخ المعاصر والواقع بعيون وطنيين رغم ضغوطات ” لوبيات ” السينما الاوربية والعالمية و شروط المشاركة في مهرجاناتها والاستفادة من فرص دعمها المالي .
لكن اذا كان انطلاق اول بث تلفزيوني مع بي بي سي في 1939 احدث منعرجا تاريخيا في نقل الاخبار المصورة المتحركة والإنتاج السينمائي للعالم فان سلسلة الاكتشافات والمتغيرات في عالم الاتصال ،وبينها شبكة الانترنيت والاقمار الصناعية واليوتيوب نقلت العالم الى مرحلة ” ما بعد الحداثة” حسب تعبير ميشيل فوكو ورفاقه رواد هذا التيار الفكري الذي برز خلال النصف الثاني من القرن العشرين .
ويكفي ان نسجل هنا ان امبراطوريات إعلامية تلفزية برزت عالميا في مجال الإنتاج السينما التوثيقية والدرامية ، بينها بي بي سي وقنوات أمريكية تابعة لشركات عملاقة متعددة الجنسيات .
كما برزت لاحقا مؤسسات تلفزية سينمائية في الهند والصين واليابان وتركيا ومصر ودول عربية بينها شركات مجموعات ” ام بي سي” و” شبكة الجزيرة”.
وبالرغم من أهمية الثروة السينمائية والوثائق التي نشرتها حركات التحرر الوطني للتعريف بقضاياها ، اعتمادا على قدراتها الفنية والمادية الخاصة ، فقد ظلت عموما ” محدودة التأثير” مقارنة بمنتوج امبراطوريات الاعلام والسينما الامريكية والاوربية والدولية والشركات الاتصالية السينمائية والاتصالية الجديدة ، التي ازدهرت معها ” سينما الشاشة الصغيرة ” .
في هذا السياق برزت منذ حوالي 35 عاما في اوربا والعالم العربي الإسلامي وسائل بث سينمائية وثقافية جديدة حققت نجاحات بعد تحقيقاتها المصورة وافلامها عن الانتفاضات الفلسطينية و حروب الخليج ويوغسلافيا السابقة و الحروب بالوكالة التي فجرتها ” الامبراطوريات الاستعمارية الجديدة” خلال العقود الثلاثة الماضية شرقا وغربا .
لكن بروز سياسات ثقافية وطنية في حكومات عدد من دول الجنوب وحركات التحرر الوطني العربية والافريقية والأمريكية اللاتينية ساهم في التوثيق لرصيد الحركات الوطنية ونضال بعض الدول من اجل تكريس استقلالها والدفاع عن تراثها وثوراتها ومصالحها العليا .
وبفضل التقدم التكنولوجي واشتداد التنافس بين مؤسسات الإنتاج السينمائي والإعلامي والاتصالي العالمية انفتح كثير منها على قضايا التحرر الوطني الفلسطينية والعربية والعالمية واصبح يساهم في حفظ ذاكرتها والتعريف بها وترويج جانب من اجندتها لأسباب تجارية او مبدئية .
- نماذج من سينما المقاومة وحفظ ذاكرة حركات الكفاح الوطني
يؤكد الباحثون في علوم الاتصال والتوثيق والخبراء المختصون في قراءة تطور الإنتاج السينمائي شكلا ومضمونا على أهمية الدور الذي تقوم به الصورة التلفزية او السينمائية، أي الصور المتحركة والمركبة ضمن سيناريوهات منتقاة ، في مجال الحفاظ على ذاكرة الشعوب وتدوين تاريخها وصفحات من كفاح مناضليها.
وتتصدر السينما الفلسطينية والأفلام الوثائقية والدرامية التي تعرف بقضايا التحرر الوطني الفلسطينية والعربية والافريقية منذ عقود تجارب توظيف الكاميرا والاشرطة المصورة في التعريف بالقضايا الوطنية العادلة وتوثيقها .
وساهم التقدم الكبير في عالم التصوير والبث والارسال في الترويج لهذا النوع من السينما ولقضاياه العادلة الى جانب إعادة توثيق صفحات منسية من كفاح بقية شعوب المنطقة وزعمائها الوطنيين من اجل الاستقلال والتحرر والكرامة وبينها كفاح الشعب الجزائري البطل ونضالات شعوب الفيتنام و المستعمرات السابقة في افريقيا وامريكا اللاتينية وعدد من بلدان اسيا.
وولئن تفوقت شركات هوليود الامريكية واخواتها في توجيه الراي العام الأمريكي والعالم طوال عقود بما في ذلك عبر الترويج لمضامين انتقائية ومنحازة عن نضال شعب فلسطين وشعوب المنطقة من اجل التحرر ، فان السنوات والاشهر القليلة الماضية شهدت تغييرا في اتجاه الانفتاح والتوازن .
وسجل الانفتاح خاصة بعد انتفاضة ملايين من شباب الجامعات الامريكية والاوربية والعالمية في ربيع 2024 دعما للحقوق المشروعة لشعب فلسطين وحلفائه ومعارضة لحرب الإبادة الجماعية التي تستهدف ملايين المدنيين والأطفال والنساء على مرأى ومسمع من كبار صناع القرار في المنطقة والعالم .
ويفسر الاهتمام المتزايد في السينما العالمية بحركات التحرر الوطن الفلسطينية واللبنانية والعالمية بكون الصراع مع سلطات الاحتلال متواصل ميدانيا وديبلوماسيا وسياسيا واعلاميا وثقافيا .
في هذا المناخ يكون توثيق تحركات مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال وصمود شعبه وحلفائه متوقعا في زمن أصبحت فيه مقاومة الاحتلال عبر الصورة الموثقة للحدث والخبر المدعوم بفيديوهات جزاء من المعركة ، الى جانب المعارك المسلحة ميدانيا .
ويذكر الرهان على هذا المسار بالدور الذي لعبته السينما ووسائل الاتصال التلفزية والاذاعية خلال الطور الأخير من كفاح حركة التحرر الوطني من النظام العنصري العميل في جنوب افريقيا قبل حوالي 4 عقود وخلال كفاح الشعب اللبناني ومقاومته في تسعينات القرن الماضي ضد احتلال الجنوب .
وتحقق انتصار المقاومتين بفضل عوامل عديدة من بينها النجاح في الترويج للصورة وخاصة “للصورة المتحركة” ، أي ” الفيديو” و” الفيلم الاخباري” و”الشريط الوثائقي” و السينما الدرامية الملتزمة.
وتدعم الرهان الحالي من قبل المقاومة الفلسطينية وحلفائها على الصورة الحية وعلى الأفلام الملتزمة الإنجازات حققها في نفس السياق فنانون وطنيون من حركات التحرر العربية والدولية منذ عقود.
في هذا السياق يمكن ان نذكر بكون “سينما المقاومة” كانت دوما حاضرة .
وهنا يمكن ان نشير مثلا الى عدد من الأشرطة والمخرجين الوطنيين مثل الفيلم الجزائري “ريح الأوراس” لمخرجه الاخضر حامينا (1966)، والأفلام التونسية “الفجر” لعمار الخليفي (1966)، و” الرديف 54 ” لعلي العبيدي الذي انجز عام 1996 ويعتبر توثيقا لمرحلة الكفاح الوطني المسلح والمفاوضات الأولى من اجل الاستقلال في 1954 ولدور الزعماء الوطنيين الكبار الذين وقع تغييبهم لاحقا مثل الزعيم صالح بن يوسف . كما يمكن الإشارة الى فيلم ” الفلاقة” ( أي مناضلو المقاومة المسلحة للاحتلال الفرنسي ) للمخرجة سماح الماجري الذي وثق جوانب من نضالات الوطنيين التونسيين منذ الاحتلال عام 1881 وصولا الى مرحلة الستينات من القرن الماضي.
ومن مصر يمكن التوقف خاصة عند الفيلم المصري “جفت الامطار” لسيد عيسى (1966)،و أفلام المخرج يوسف شاهين واهمها : ” الأرض(1968) و” الاختيار ” ( 1970 ) و ” العصفور ” ( 1973 ). كما وثقت السينما الحديثة نضالات شعوب المنطقة من اجل التحرر الوطني . ولعل ابرزها شريط “أسد الصحراء، عمر المختار” الذي وثق لجوانب من النضال الوطني في ليبيا ضد الاحتلال الإيطالي ما بين الحربين العالميتين .
وكان ذلك العمل السينمائي ناجحا جدا لأنه جمع بين المضمون الوطني والإخراج العصري مع الاعتماد على فنانين دوليين بينهم النجم السينمائي العالمي المكسيكي الايرلندي الأمريكي انطوني كوين وعلى المخرج والمنتج العربي الدولي القدير الشهيد مصطفى العقاد.
وتؤكد مصادر عديدة أن من بين أسباب تنظيم عملية إرهابية بشعة جدا في نوفمبر 2005 في فندق فخم في العاصمة الأردنية عمان ، اغتيال المخرج العالمي العربي السوري مصطفى . وكان العقاد في بهو الفندق مع ابنته القادمة لتوها من رحلة من بيروت . ووقع تفسير الاغتيال بكونه عملية استهدفت كذلك انعقاد اجهاض مشروع العقاد وفريقه لإنتاج فيلم وطني تاريخي رمزي عن الزعيم الوطني الذي حارب قوات الاحتلال الاوربية ونجح في القرن 12 في تحرير فلسطين ولبنان صلاح الدين الايوبي.
وقد تداول مثقفون واعلاميون تصريحات للفنان الوطني العقاد اورد فيها انه كان يعتبر ان الوقت مناسب اليوم لانتاج فيلم عن صلاح الدين ، لان سيرة هذا “القائد المسلم الذي وحد المنطقة وانتصر على الغزاة الأجانب ، فيها “اسقاط المعاصر للأحداث التي تجري اليوم على الساحة “. في زمنه ( أي القرن 12) كانت فلسطين كما هي عليه الان ، لكنه جاء ونظف ووحد وغزا أخلاقيا “، مثلما أوردت الكاتبة مريم الكعبي في كتابها ” حاول مرة أخرى : مقالات نقدية “.
واذا ما استثنينا بعض الاعمال التي لقيت صدى عالميا، مثل شريط ” اسد الصحراء، عمر المختار”، او بعض الأفلام الوطنية التوثيقية التي دعمتها وزارات الثقافة والاعلام وعدد من الحكومات نسجل هنا أنّ ” سينما حركات التحرر الوطني” لم تجد دوما دعما ماديا كافيا لذلك بقيت ” مناسباتية ” وغير منتظمة أو ” محدودة الاشعاع” .
وكان الدعم المالي يقدم غالبا للأفلام التوثيقية ” التقليدية” ، التي يضطر بعض مخرجيها الى تقديم اعمال تخضع لضغوطات معنوية ومادية من النخب المسيطرة على المشهدين الثقافي والإعلامي وعلى المؤسسات الرسمية للدولة .
وتؤكد الدراسات المختصة ان السينما في البلدان ضحية السياسات الاستعمارية ازدهرت مبكرا وتطورت لاحقا شكلا ومضمونا.
وليس من باب الصدفة ان أنشئت عام 1908 في القدس أولى قاعات العروض السينمائية في عهد ” الانتداب البريطاني” ، ” سينما اوراكل” وبدء تحركات النخب الوطنية لمكافحة الاحتلال ومشاريع تقسيم المنطقة وتأسيس ” كيان لدولة الاحتلال وفق توصيات مؤتمر بازل 1897″.
ولئن ازدهرت “سينما المقاومة ” المساندة لحركات التحرر العربية و الفلسطينية خاصة بعد حرب جوان /يونيو 1967 ، بفضل جيل جديد من المخرجين ، فان بدايات صناعة السينما في فلسطين تعود الى 1935 ، أي الى مرحلة تفجير الزعيم الوطني العربي عز الدين قسام ورفاقه” الثورة الكبرى” واستشهاده في نوفمبر في 1935 ، مما مهد لانفجار الثورة الشعبية العربية والفلسطينية التي تواصلت حتى 1939، والتي نجحت في فرض ” اجندا قضية فلسطين ” على اغلب القيادات الوطنية العربية والإسلامية والعالمية ، بما في ذلك على قيادات حركات التحرر الوطني المغاربية ، الذين توحدوا لاحقا في مكاتب المغرب العربي في القاهرة ودمشق وبرلين ..
واذ بدأت سينما المقاومة الفلسطينية والعربية بأفلام وثائقية قصيرة لا تجاوز العشرين دقيقة في الثلاثينات ، بينها فيلم وثائقي عن زيارة العاهل السعودي سعود بن عبد العزيز الى فلسطين عام 1935، فان بعض الافلام القصيرة التي دعتمها حركة التحرر الوطني الفلسطيني ” فتح” بعد نكبة 1967 كانت كذلك قصيرة وتوثيقية مثل الأفلام التي أعدتها الفنانة الفلسطينية الشابة سلافة مرسال وصلاح أبو هنود وهاني جوهرية ومصطفى أبو علي ، وبينها العمل السينمائي الأول الذي كان عنوانه :” لا للحل السلمي” الذي وثق القرارات الدولية التي تنكر الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني. ثم كانت الانطلاقة القوية للأفلام الفلسطينية المساندة للمقاومة وحركات التحرر الوطني بعد حرب السادس من أكتوبر 1973.
ويسجل لمصطفى أبو علي ورفاقه مساهماتهم بعد ذلك بعدد من الأفلام التي تحفظ الذاكرة الوطنية للمقاومة للاحتلال بينها “العرقوب ” و” عدوان صهيوني” عن الكفاح المشترك الفلسطيني اللبناني، و” ليس لهم وجود” حول معاناة ملايين اللاجئين والنازحين الفلسطينيين . ثم جاءت أفلام أخرى منحازة للمقاومة بينها ” انشودة الاحرار” لجون شمعون ، وهو الفيلم الذي يوثق لكفاح الشاعر والمتحدث الرسمي باسم منظمة التحرير الفلسطينية كمال ناصر الذي اغتالته قوات الاحتلال في بيروت في 1973.
وفي السياق نفسه جاء فيلم السينمائية الفلسطينية نبيهة لطفي الذي يعرض لحياة المرأة الفلسطينية في المخيمات والأراضي المحتلة .
وتفرض المنهجية العلمية الإقرار بكون مساهمات عدد من السينمائيين والمثقفين الشبان ودور الإنتاج المحلية في بلدان عربية وافريقية ذات إمكانيات محدودة مثل تونس ، ساهمت في التوثيق للذاكرة الوطنية .
في هذا السياق يمكن الإشارة الى عدد من الأفلام التونسية والعربية الجديدة التي وثقت مثلا لدور زعماء وطنيين تونسيين وشمال افريقيين بارزين وقع “تناسي” دورهم سابقا مثل شريط ” الرديف 54 ” للمخرج علي العبيدي الذي انجز في 1996 ، أي بعد 9 أعوام عن مغادرة الرئيس الحبيب بورقيبة قصر قرطاج ، وإعلان الرئيس زين العابدين بن علي ” المصالحة مع كل رموز الحركة الوطنية بما فيهم الزعيم الراحل صالح بن يوسف الأمين العام للحزب الدستوري في الاربعينات والخمسينات الذي تزعم تيار معارضي بورقيبة بعد اتفاقية جوان 1955 حول ” الاستقلال الداخلي”.
III . توظيف السينما لتشويه الذاكرة ورصيد الحركة الوطنية
- مخططات منظمة لتشويه الذاكرة الوطنية
تؤكد الدراسات التقييمية لتجارب السينما المقاومة عربيا وعالميا في حفظ الذاكرة والتعريف برصيد حركات التحرر الوطني نقصا في الإنتاج وضعفا في الترويج للأفلام الوثائقية والاخبارية والدرامية المنجزة .
بل ان نفس الدراسات تؤكد ان العكس هو الصحيح في تجارب عديدة ، اذ تجند صناع قرار وصناع محتوى ثقافي اعلامي وثقافي وسينمائي إقليمي ودولي لتوظيف السينما في تشويه الذاكرة والتشويش على صورة المجاهدين ورواد النضال الوطني والترويج لصور نمطية ومعلومات مشوهة عنهم .
وينبغي ان نسجل هنا ان محاولات محو الذاكرة الوطنية والتوظيف السلبي للتراث الثقافي الوطني جزء من مؤامرات اكبر استهدفت شعوب بلدان الجنوب ودولها منذ مرحلتي ما قبل الاستعمار والاستعمار المباشر ثم مرحلة الطور الأول من بناء الدول الوطنية الحديثة بعد الإعلان عن الاستقلال العسكري وبدء مسار عالمي لانهاء تركة الاحتلال المباشر لاكثر من نصف البشرية .
استخدمت لوبيات مالية وسياسية عالمية مؤسسات سينمائية وإعلامية متعددة الجنسيات ، اغلبها أمريكية واوربية، ووقع توظيفها لتشويه صورة العرب والمسلمين وشعوب بلدان الجنوب التي تناضل منذ اكثر من قرن من اجل التحرر الوطني وبينها شعوب أمريكا اللاتينية والشعوب العربية وعلى راسها شعوب الجزائر وفلسطين ولبنان ..
وتؤكد الدراسات العلمية والتقارير الدولية أن اغلب تلك اللوبيات تقوم بحربها الجديدة ضد السينما ” الجديدة” والمضامين الثقافية والإعلامية التحررية الوطنية ، لانها تتحكم في أسواق تجارة السلاح وتمويل الفضائيات التلفزية وكبرى الصحف ووكالات الانباء والمواقع الرقمية والاجتماعية الأمريكية والاوربية ، وخاصة منها تلك التي توحي بكونها ” ترفيهية ” و” اباحية” و ” تجارية ليبيرالية محايدة”.
تكاثفت جهود لوبيات ثقافية وإعلامية ومالية دولية في تشجيع المواد الإخبارية المصورة والأفلام التي تستهدف “عوامل الحصانة والقوة والمقاومة في قلب الأمم التي تتطلع للتحرر الوطني ” و”اختطاف ذاكرتها وواقعها ومستقبلها ” عبر الترويج لروايات مشبوهة عن الحركات الوطنية وعن للتاريخ المعاصر للوطنيين و تخدير الشعوب وخاصة المثقفين والنخب والشباب والنساء.
ان الدعايات الاستعمارية ، عبر بوابة السينما والاعلام ” ليست جديدة ، فلقد وقع الخلط عمدا منذ الغزو الاستعماري الروماني لشمال افريقيا وامبراطورية قرطاج بين استراتيجيات الاحتلال والنهب من جهة و شعارات نشر” السلام “و” التقدم” .
ورفعت شعارات مماثلة عند الحملات الاستعمارية الفرنسية والبريطانية على العالم الإسلامي منذ مطلع القرن 19 في مصر والشام والجزائر.
وكان واضحا ان فرض ” الهيمنة الأجنبية ” خاصة في المجالات الثقافية والفكرية كان تحت يافطة شعارات ” تواققية” توحي ب” المشترك ” الذي يجمع بينه وبين الشعب المحتل او الخاضع للهيمنة ، حتى يزول مبرر الدعوات الى ” التحرر الوطني ” و ” الاستقلال ” وانهاء التبعية ” للجسم الغريب وغير الطبيعي” .
وعوض المضي في سياسات تكرس أفكار المصلحين وبرامج الإصلاح التي بدأت قبل الاحتلال الفرنسي البريطاني ثم في مرحلة الاحتلال المباشر ، قامت بعض مؤسسات الثقافة والتعليم في بلدان الجنوب والشمال ب” التطبيع ” مع ” الأورو مركزية ” والمناهج الاستعمارية والترويج لخيارات ثقافية تعليمية إعلامية تسعى لتمرير شعارات تخلط بين التحديث والادماج والهيمنة الثقافية والإعلامية والعلمية وتقديم “المحتل المعتدي الاجنبي “ في صورة “المصلح الأوروبي” والمقاوم الوطني في صورة ” الوحش ” و” المتخلف ” المتمسك بثقافات ” السكان القدامى ” (الهنود القدامى في أمريكا واسيا) من جهة وثقافات ” الشرق القديم العربية والإسلامية والفارسية والهندية “التي تجاوزها الزمن ” من جهة أخرى .
ان الهدف من محاولات محو الذاكرة الوطنية كان إقامة قدر من “الوحدة بين المعتدي والمعتدى عليه” ،بين الضحية والجلاد، الى جانب عزل انصار التيار الوطني التحرري وتقديمهم في صورة ” المدافعين عن القديم وعن المؤسسات التقليدية” فيظهرون في صورة “الغرباء” وليسوا أصحاب البلاد الأصلاء بها فكرا وتراثا وحضارة.
- من هي اللوبيات الدولية التي تتحكم في السينما الجديدة والمؤسسات الثقافية والاعلامية العالمية ؟
أثبتت الدراسات المعمقة أن التآمر على الانسان في دول الجنوب وعلى ثقافة الأجيال الجديدة يشمل السعي لتشويه الذاكرة الوطنية الجماعية عبر مجموعة كبيرة من الأفلام والفيديوهات والمواد المصورة التي تبث عبر الأقمار الصناعية ملايين المواقع التابعة لوسائل الاتصال الرقمية والاجتماعية .
وتندرج هذه الخطة ضمن استراتيجية أوسع لمؤسسات وسلطات استعمارية جديدة يقع تنفيذها عبر عدد كبير من الشركات العالمية المتعددة الجنسيات و المؤسسات الحكومية التي تستهدف التأثير في توجهات الرأي العام العالمي ،وخاصة الشباب ، نتيجة تحكمها ماليا واداريا وسياسيا في أغلب ما يبث من أخبار ( بالمفهوم الواسع لكلمة خبر) من مضامين ثقافية تستهدف العقل أو النزوات والعواطف.
ويكفي ان نشير الى ان من بين أكبر المساهمين في رأس مال أبرز المؤسسات التلفزية والاذاعية والسينمائية العالمية شركات تصنيع واتجار في قطاعات الأسلحة والمحروقات ومواد الاستهلاك واسعة الانتشار مثل المشروبات الغازية والكحولية والعطور والماكياج والاكلات والسيارات .
وتتبع قنوات تلفزية والكترونية عملاقة مختصة مشهورة ببرامجها ” الخفيفة والترفيهية ” او ” الإباحية”، مثل ” ام 6 ” الفرنسية” و” ارتل”RTL الاوربية و ” دورسيل التلفزية السنيمائية” Dorcel TV..لوبيات قطاع السلاح والتجارة ..
وحسب مصادر أمريكية فإن مجموعة من مؤسسات وكالات الأنباء الأمريكية تتحكم في حوالي 80 بالمائة من الصور والفيديوهات والأفلام الإخبارية والترفيهية التي تبث عالميا ، وتنتج أو تبث 60 بالمائة من الأفلام السينمائية . وتزود وكالة “الاسوشيتدبرس” وحدها أكثر من 590 محطة إذاعية وتلفزيونية بأخبارها وحاجياتها من تقارير مصورة تبث عبر مئات ملايين الشاشات الصغيرة والحواسيب والجيل الجديد من الهواتف المحمولة.
يتضح اذن أن “الدوائر السياسية وصناع القرار في كبرى الدول الرأسمالية ” والشركات الداعمة لها تتحكم تحكما كاملا في “المنظومات الإعلامية والفنية والثقافية والغربية والعالمية ” بما في ذلك في اكثر الدول الافريقية والاسيوية والأمريكية اللاتينية فقرا وتخلفا” .
وفي الأعوام القليلة الماضية كشفت الصراعات العلنية بين زعماء عدد من ” اللوبيات” المالية السياسية العالمية ” تضخم الدور الإعلامي والثقافي “لمجموعة من كبار الاثرياء ، مثل الملياردير الأمريكي ايلون ماسك ، المتحكم الجديد في شبكات تويتر( التي أصبحت ” اكس”) وفايسبوك وانستاغرام و” مستشار ” الرئيس الأمريكي العائد للبيت الأبيض دونالد ترامب..
وتكشف دراسات وتقارير أخرى تحكم “شركات رأسمالية عملاقة ” في كبرى المؤسسات الإعلامية والثقافية الدولية المعروفة من بينها :
- أولا ، وارنر ميديا:
وتعتبر هذه المؤسسة “أكبر تكتل لوسائل الإعلام في العالم” وتصنف ثالث أكبر الشبكات التلفزيونية والسينما وإنتاج برامج الترفيه في العالم من حيث المداخيل.
ومن بين الشركات التابعة لها :”سينما نيو لاين”، “ “سي إن إن” ، “نظام تيرنر للبث”، “شبكة التلفزيون CW”، “وارنر بروس”.
وتضم مجموعة “وارنر ميديا” 4 مؤسسات عملاقة متعددة الاختصاصات بينها “مجموعة الصندوق المنزلي” وهي أكبر منتج للبرامج التليفزيونية في العالم وصاحبة شبكة “التلفزيون المدفوع “الأولى في العالم .
كما تضم شبكة تيرنر للبث “TBS” : التي تدير مجموعة من أكبر الشبكات النليفزيونية في العالم بينها شبكة تلفزيون “سي ان ان “ “CNN” الإخبارية .
وتمتلك هذه المجموعة مجموعة “تايم” للنشر التي تصدر مجلات “TIME” و“Life” و و“People” “Fortune.
- ثانيا ، نيوز كورب
تعتبر من أكبر الشركات الاعلامية العالمية وتعمل في قطاعات الأفلام الترفيهية والتلفزيون وبرامج شبكة “الكابلات” والبث المباشر من خلال الفضائيات والمجلات والجرائد ونشر الكتب .
ولديها عشرات المؤسسات الإعلامية في أستراليا وأمريكا اللاتينية وأوروبا وكندا وامريكا، . ويعتبر الإمبراطور الاعلامي الأسترالي الأمريكي “روبرت ميردوخ” اكبر مساهم فيها .
وتشمل أصولها أكثر من 175 صحيفة عالمية شهيرة من بينها “ذا تايمز” ، والصنداي تايمز” و”ذا صن” و “وول ستريت جورنال” . وتمتلك مجموعة “نيوز كورب” أكثر من 800 شركة في أكثر من 50 بلدا في العالم .
يتبع لها “شبكة تليفزيون فوكس نيوز” الامريكية العالمية الشهيرة التي تتألف من 21 قناة داخل امريكا وأكثر من 7 قنوات خارجها، كما تمتلك 39 بالمائة من أسهم شركة “بي سكاي بي” الإعلامية.
*ثالثا ، والت ديزني
هي أكبر شركات وسائل الإعلام والترفيه والترويج لثقافة الاستهلاك في العالم . تمتلك احدى عشر حديقة ملاهي , وشبكة قنوات ديزني وشبكة قنوات .ESPN . كما تمتلك مدن الملاهي “ديزني لاند” الشهيرة في امريكا واليابان وفرنسا وهونج كونج والصين . الى جانب “شركة فوكس للقرن الحادي والعشرين” للانتاج السينمائي في هوليوود و5 شركات توزيع سينمائي و30 محطة إذاعية حول العالم . .
رابعا ، فياكوم
يديرها قطب الإعلام “سامنر ريدستون” التي تمتلك شبكة قنوات تليفزيونية تثقفية ترفيهية وسينمائية شبابية عالمية أبرزها”MT “و شركات “MTV films” و “Viacom International”.
كما تمتلك 23 محطة ووحدة إنتاج تلفزيوني من أشهرها “ذا موفي تشانيل”.
- خامسا ، سي بي إس
شبكة كولومبيا للبث (CBS) : تعتبر من كبرى الشبكات التلفزيونية الشبابية الترفيهية الرياضية والفنية والاخبارية الأربعة في امريكا .
في مجال الإنتاج السينمائي تمتلك المجموعة شركات مثل (CBS studios) و (CBS films) وأنتجت أفلامًا شهيرة يتابعها شباب العالم بما في ذلك في المنطقة العربية الإسلامية وافريقيا بينها سلسلة “الرجل العنكبوت” (SpiderMan) وشفرة دافينشي للمؤلف الأمريكي الشهير دان براون والذي ترجم لعدة لغات عالمية بينها العربية.
*سادسا ، كومكاست
هي أكبر شركة للبث اللاسلكي و”تلفزيون الكابل” في العالم (حسب الإيرادات) . وهي ثاني أكبر شركة خاصة لخدمة التلفزات ، وأكبر مزود خدمة الإنترنت في الولايات المتحدة وثالث أكبر شركة للهاتف المنزلي فيها. وهي صاحبة شركة “NBC” التليفزيونية الشهيرة . وتمتلك “ستوديو يونيفرسال” في فلوريدا الامريكية التي تقدر مساحته بحوالي 150 هكتارا.
ويدير مؤسسة “كومكاست” للاعلام والتكنولوجيا والاتصالات رجل الأعمال والملياردير الأمريكي “برايان روبر الذي نجح خلال الأعوام القليلة الماضية في ان يستحوذ على شركة ” سكاي” في بريطانيا التي تدير شبكة بث ” سكاي نيوز”.
اذن يتضح أن أبرز المتحكمين في توجيه الرأي العام الشباب والرأي العام العالمي ثقافيا وسلوكيا واعلاميا أغلبهم من كبار اثرياء الولايات المتحدة والدول الصناعية الغربية الذين لديهم شركاء من العالم اجمع ، بما في ذلك من الهند والصين وروسيا وإسرائيل ، أي من الدول الاستعمارية القديمة والجديدة و الدول ” الصاعدة ” التي هيمنت شركاتها على قطاعات تكنولوجيا الاتصال والاتصالات وعلى الشبكات العالمية للانترنيت .
.VIالخطة” التأليفية” المطلوبة
- الحاجة الى استشرف المستقبل
في هذا السياق العالمي ماهي الخطة ” التأليفية ” المطلوبة ؟(Stratégie de synthèse)؟
وهل يمكن أن نستشرف بروز استراتيجية او استراتيجيات وطنية ” تأليفية ” تضمن نجاح السينما الوطنية تجاريا وطنيا وعالميا مع ضمان انخراطها في السياسات الثقافية والاتصالية للقوى والحكومات الوطنية وبينها الوفاء لمجاهدي حركات المقاومة الوطنية وحفظ ذاكرة الشعوب في معاركها من اجل التحرر الوطني بمختلف ابعاده ؟
تطرح هنا إشكاليات عديدة من بينها أزمة تمويل حركات المقاومة والأحزاب الوطنية التاريخية وحكومات دول الجنوب لسينما مهنية ومتطورة قادرة على غزو ملايين المواقع الاتصالية والرقمية التي تروج “للسينما الجديدة” مباشرة لمليارات من البشر ..
كما تطرح قضايا أخرى من بينها غياب الإرادة السياسية القوية بالنسبة لبعض الحكومات التي ورثت السلطة عن حركات تحرر وطني في أمريكا اللاتينية وافريقيا واسيا ، لكن اولويتها اليوم ” الاندماج” مع القوى المهيمنة عالميا اقتصاديا وتكنولوجيا وعلميا وعسكريا ، واغلبها من ” بلدان الشمال”.
في نفس الوقت يحتاج رواد ” السينما الجديدة ” و” ثقافة التحرر الوطني ” و الجامعيون والمثقفون في “دول الجنوب ” الى ” رؤية تأليفية ” عند الحديث عن سينما المقاومة والثقافة الوطنية والى احترام قاعدة “النسبية “.
هذا الموقف ” التأليفي” و” التركيبي ” تبرره معطيات موضوعية والحاجة الى التسليم بعدد من الحقائق من بينها ان مسؤولية توجيه ” السينما الجديدة المناصرة لقضايا التحرر الوطني “وتوثيق ” الذاكرة الوطنية ” للأجيال الجديدة يتحملها في نفس الوقت الفنانون والمثقفون والاعلاميون التابعون ل” لوبيات محلية ( او ” وطنية” ) ، وليس” اللوبيات العالمية ” وحدها .
و لابد هنا من التسليم جدلا بكون قطاعات السينما والثقافة والاتصال والسياسات الثقافية تتطور سلبا أو إيجابا كذلك حسب الأدوار التي تقوم بها 4 اطراف محلية: السلطات الرسمية ، والقطاع الخاص او راس المال المحلي والمجتمع المدني والمهنيون من اعلاميين ومثقفين.
لذلك يعتبر عدد من ابرز المثقفين في العالم ، بينهم الفيلسوف الأمريكي نعوم تشومكسي، أن المثقف والكاتب يتحملان مسؤولية كبرى في ” تنوير الجمهور” وتقديم مضامين ثقافية وإعلامية إيجابية و” كشف أكاذيب ” اللوبيات وأصحاب الاجندات المشبوهة”.
ويعتبر تشومكسي وأنصار هذه الاطروحة أن ” المثقف والكاتب ” ، أي الإعلامي والاتصالي بالمفهوم الواسع للكلمة ، يمكن أو يوظف معرفته و” سلطته الأخلاقية ” و” السلطة الاعتبارية لقطاعي الثقافة والاعلام ” لنشر الحقائق والمساهمة في الارتقاء بالجمهور عموما .
- وسائل الاعلام الرقمية في خدمة حركات التحرر الوطني
وهنا يستدل المقتنعون بمسؤولية الإعلامي والفنان والمثقف في ” التغيير” وفي ” صنع الرأي وتوجيه الشباب” بنجاح ” السينما الجديدة ” و” الفيديوهات ” التي شاهدها مئات الملايين في العالم في تحريك شباب الجامعات والانتفاضات و” الثورات الشبابية ” والطلابية منذ ستينات القرن الماضي في أوربا وامريكا وفي دول عربية وإسلامية وافريقية تفاعلت مع ” المضامين الثقافية والإعلامية لحراك ماي 1968″ ثم في النصف الأول من عام 2024 في التعريف ب” الحراك الطلابي والشبابي” الذي انفجر في الجامعات الامريكية ثم انتشر في عدد كبير من جامعات العالم للتعبير عن التضامن مع شعب فلسطين .
و يعتقد كثيرون أن ” السينما الجديدة ” و”الاعلام البديل” و” الحملات الإعلامية عبر المواقع الالكترونية والاجتماعية ” نجحت في ” تعبئة غير مسبوقة لشباب العالم والجامعات ” لصالح المطالب الوطنية والسياسية الفلسطينية والعربية التي عجزت ” وسائل الاعلام التقليدية ” طوال عقود عن تبليغها بوضوح للعالم بسبب ” الحصار” و بسبب عدم تحررها من ” اللغة الخشبية ” وأساليب ” الدعاية التقليدية” واجندات بعض ” الزعماء” وبعض” اللوبيات ” .
واثبت انفجار “الحراك الشبابي” في جامعات الولايات المتحدة ، ثم في اوربا والعالم ، أن ” وسائل الاتصال غير التقليدية” سلاح جديد بأيدي مئات ملايين الشباب مكنه من اختراق المنظومات الإعلامية التقليدية والانتصار عليها واجبارها على إعادة بث ” أفلام قصيرة ” و” فيديوهات” توثق للمقاومة غير التقليدية للاستعمار الجديد و كفاح أبناء المهاجرين وحلفائهم دعما للحركة الوطنية في فلسطين المحتلة وفي كامل المنطقة.
لذلك تتاكد أهمية الانخراط في ” عالم الميلتيميديا ” و” السينما الجديدة ” بسبب استفحال مخاطر بعض السياسات الاتصالية العالمية والإقليمية التي تستهدف الذاكرة الوطنية ورصيد حركات التحرر ورموزها ، لاسيما بسبب محاولات تشويه صورة المقاوم للاحتلال وحركات التحرر الوطني العالمية في السينما الامريكية والاوربية ،و التي تترجم الى اغلب لغات العالم ، وتروج في السينما العالمية غير الناطقة بالانقليزية .
والهدف واضح بالنسبة لرسالة طذ السنيما الجديدة ” مستقبلا ، وهو التصدي لمن يدعمون هذه السياسات الثقافية والفنية والاتصالية الاستعمارية ومسار” تخدير” الشعوب والنخب والمثقفين وصناع القرار في بلدان الجنوب ومحاولة احباط عزائمها ونقلها من القوة إلى الوهن ومن الصمود إلى الاستسلام ومن المقاومة إلى تقبل التبعية والنفوذ الوافد في مختلف مجالات الفكر والاجتماع والاقتصاد والتربية .
و الهدف الأكبر هو دفع النخب والشعوب نحو التمريد على مخططات “التبعية للاستعمار الجديد” والخضوع له حكاما وقادة ونخبا وشعبا واجهاض ” أيديولوجيا المستعمر” ، وخطواته التي تهدف الى احتلال العقول والقلوب ، وتقديم ” المستعمر السابق ” في صورة “المنقذ والحليف” ضد القوى الوطنية في الحكم وفي المجتمع وداخل الفضاءات الثقافية والسينمائية والفنية والإعلامية .
ولم تحقق هذه السياسات جزئيا التي استهدفت النخب السينمائية والثقافية والجامعية والإعلامية لو لم يقع توظيف الأفلام والسينما وشبكات الاعلام بمختلف لغات العالم لمحاولة “اختطاف الذاكرة” التاريخية للشعوب وحاضرها ومستقبلها وخصوصياتها الوطنية الثقافية والحضارية .
وكانت النتيجة ما سجله مفكرون ومصلحون وطنيون بارزون من دول الجنوب في القرنين الماضيين بينهم رواد ” التجديد والإصلاح ” والحراك الوطني في بلدان شمال افريقيا والفيلسوف والشاعر الوطني الهندي الباكستاني المسلم محمد إقبال: ” إن أجدر ظاهرة بالملاحظة في التاريخ الحديث هي السرعة الهائلة التي يتحرك بها عالم الإسلام في جانبه الروحي نحو الغرب”.
الخاتمة
ان الذاكرة الوطنية لأي شعب جزء من هويته، لذلك عمدت سياسات الاستعمار القديم والجديد الى محاولة محوها والتشويش عليها عبر برامج إعلامية وثقافية وتعليمية وسياسية وامنية متنوعة .
ويتواصل الرهان على تشويه صورة المجاهدين من اجل استقلال شعوبهم وتحررها ، لان الحروب والمعارك الخطيرة لا تدور بين الجيوش فحسب ، وإنما تدور أيضا حروب ثقافية وإعلامية ونفسية تستهدف العقول والقلوب وسلوكيات الفرد والمجتمع وتوجهات النخب المتحكمة في الدول ومئات الملايين من التلاميذ والطلاب و المستهلكين .
ان السينما الجديدة ووسائل الاتصال الرقمية والاجتماعية والتقليدية التي شدت انتباه مليارات من البشر ، أصبحت الأداة الأكبر لتشكيل ” العقل الجماعي” الجديد والاستثمار في مجال ” الموارد البشرية ” وتغيير قناعات مليارات من البشر في العالم اجمع بما في ذلك قناعاتهم ومرجعياتهم العقائدية ومسلماتهم الوطنية .
ان الاعتراض على التوظيف السلبي للسينما القديمة والجديدة ووسائل الاعلام والاتصال والمواقع الاجتماعية والمحركات الرقيمة الحديثة يستوجب اعداد ” خطة بديلة”و التشبث بالهوية والاعتزاز بها ضرورة للحفاظ على الحقوق التاريخية المشروعة المتوارثة للأمم والشعوب جيلا بعد جيل.
ولن يتحقق ذلك الا اذا توفرت إرادة سياسية عليا في البلدان العربية الإسلامية ودول ” الجنوب ” عموما لدعم قيم الحداثة و” السينما الجديدة ” والتحكم في جانب من وسائل الاتصال والتثقيف وتوجيه الشعوب التي يتابعها الطفل والشاب في كل بلداننا وفي العالم اجمع عبر”شاشته الصغيرة ” في حاسوبه وهاتفه المحمول وفي غرفة نومه المغلق .
للخروج من هذا الواقع لا بد من رصد إمكانيات بشرية ومادية هائلة تنطلق تدريجيا في تعديل الكفة وفي دعم ” سينما جديدة ” ووسائل اعلام واتصال بعدة لغات تتكفل بحفظ الذاكرة الوطنية وتعريف المثقفين وصناع القرار” النزهاء” داخليا وخارجيا بالقضايا الوطنية العادلة لبلدان الجنوب التي استشهد واضطهد بسببها ملايين المناضلين الصادقين والمصلحين البررة .
المصادر والمراجع Bibliographie
- Robert A. Rosenstone, « « Like writing history with lighting » : film historique/vérité historique », Vingtième Siècle : Revue d’histoire, no 46, avril-juin 1995,
- 2. Antoine de Baecque (dir.) et Christian Delage (dir.), De l’histoire au cinéma, Paris, Complexe, 1998.
- 3. Catégorie:Film historique par pays — Wikipédia
2 pièces jointes • Analyse effectuée par Gmail
RépondreTransférer |
إرسال التعليق