رفيق عبد السلام : إذا اقتضت الضرورة خسارة قيادات من النهضة بسبب قانون المصالحة فليكن..

اعتبر رفيق عبد السلام القيادي بحركة النهضة أن حركة النهضة مستعدة لدفع الثمن السياسي جراء تمريرها لقانون المصالحة حتى إن كلّفها هذا الثمن خسارة قيادات أخرى من الحركة. عبد السلام اعتبر من جانب آخر الدستور هو سلطة مرجعية لا يجب أن تخضع للأهواء والحسابات الشخصية مشيرا إلى انه ليس هناك ما يوجب تغيير هذا النظام السياسي.

و فيما يلي نص الحوار:

يؤكد البعض أن مصادقة حركة النهضة على قانون المصالحة ستكون له تداعياته على الحركة بما يفضي إلى تعميق الخلافات  وخروجها للعلن ما رأيك؟

-حركة النهضة حزب مؤسسات ولدينا القدرة على إدارة الاختلافات الداخلية. ما من شك أنّ الخط والخيار السياسي الذي انتهجته حركة النهضة لم يكن موضع إجماع. وهذا بدأ بخيار من القيادة ورأس القيادة ولكن بعامل الوقت أصبحت مؤسسات الحركة سواء في الهيئات التنفيذية أو في الهيئات الشوريّة أكثر اقتناعا بهذا التوجه لكن لا يعني ذلك أن هناك إجماعا حول هذا الخيار السياسي القائم على مبدإ التوافق بين مختلف مكونات الساحة التونسية وخاصة التوافق بين الكتلتين الرئيسيتين: نداء تونس وحركة النهضة. لكن رغم الاختلافات نحن حركة ديمقراطية لدينا مؤسسات عريقة ولدينا قدرة على إدارة الحوار الداخلي في إطار علاقات تواصلية وأخوية. 

ألا تخشى الحركة جراء تمرير هذا القانون من تعميق الخلاف الحاصل بين الصقور والحمائم؟

-هو خيار تحتاجه تونس بغض النظر عن الكلفة السياسية لهذا الخيار. نحن ذهبنا في المصادقة على قانون المصالحة بكامل الوعي وبكامل الرويّة. والمسألة خضعت لنقاش داخلي قدّرنا فيها المصلحة الوطنية التي  تقوم على فلسفة تجاوز مخلفات الماضي والاتجاه نحو المستقبل. يكفينا من الصراعات وتصفية الحسابات،البلد أمام استحقاقات كبيرة ويواجه تحديات ومخاطر كبيرة: مخاطر اقتصادية وأمنية ونحتاج إلى تجميع الصف الوطني. ولا يمكن تجميع الصف الوطني إلا برأب تصدعات الماضي والاتجاه نحو المستقبل.

يتوقع البعض أن تشهد الحركة استقالات أخرى على غرار استقالة نذير بن عمّو ما رأيك؟

– نحن لا نرغب أن نرى استقالات وإن كنت استبعد ذلك. وإن كان هناك ثمن سياسي فلا بد أن يدفع.. نحن مستعدون لدفع هذا الثمن السياسي لأنّنا مقتنعون بسلامة هذا التمشي السياسي لأنه مفيد للبلد ومفيد للاستقرار السياسي وللمشروع الديمقراطي التونسي الوليد. 

حتى وإن كلّفكم هذا الثمن خسارة قيادات أخرى؟

-نحن لا نرغب في ذلك. ولكن إذا اقتضت الضرورة ذلك فليكن.

بعد تمرير هذا القانون انتقدت في تدوينة لك على صفحتك الخاصة ما وصفتهم بمعبد حراس الثورة هل من توضيح؟

-أقصد القوى الفوضوية التي تلبس في يوم لبوس الثورة وتجدها في يوم آخر في موقع مناهض للثورة أي القوى التي ليست مقتنعة ببناء المؤسسات. نحن رأينا خلال الأزمة التي عصفت بتونس سنة 2012 من يرفع شعار:صدام صدام حتى يسقط النظام. لأن هذه القوى راهنت على إسقاط المؤسسات السياسية وإرباك الوضع العام وتعميق المشكلات السياسية بهدف إعادة تشكيل المشهد السياسي على الصورة الثورية التي يحلمون بها.

هل تقصد الجبهة الشعبية؟

-لا أقصد الجبهة على وجه التحديد. ولكن أقصد قوى يسارية فوضوية هناك انقسامات في التيار اليساري: فهناك قوى يساريّة انخرطت في العملية السياسية كالمسار الذي هو اليوم جزء من الحكومة لكن هناك مكونات يسارية مازالت محكومة بالايدولوجيا الثورية الفوضوية ولا تراهن على بناء المؤسسات السياسية واستقرار الأوضاع العامة.

يتحدث البعض عن إمكانية تكوين نواة معارضة داخل الحركة بعد تمرير قانون المصالحة: ما رأيك؟

-فليكن، ليس هناك مشكل. الحركة تتسع لتكوين تيارات واتجاهات مختلفة ليس لدينا تقاليد في هذا لأنه في الغالب الحركة قائمة على خيار المؤسسات والأقلية تخضع لرأي الأغلبية. لكن إذا تبلور مشروع ويمكن أن يضبط بلوائح ونظم قانونية داخل الحركة يمكن أن تكون هناك أجنحة وتيارات مختلفة تدافع عن خياراتها وتوجهاتها السياسية في إطار عملية ديمقراطية صحيّة. 

يرى جزء من أنصاركم أنّ الحركة قد خانت ناخبيها من خلال تمريركم هذا القانون بالنظر إلى أنّ القانون وكما يراه البعض يمثل خيانة للثورة، ما تعليقك؟

-هذا القانون ليس خيانة للثورة وإنمّا يندرج في إطار فلسفتنا التصالحية نحن تحدثنا عن مصالحة وطنية شاملة بأبعادها المختلفة وهذا القانون أدخلت عليه تعديلات كثيرة. هو اقرب إلى مصالحة إدارية مع الموظفين السامين في الدولة أو الذين كانوا يتحملون مسؤولية في إدارة الشأن العام في الدولة:فمن اخذ حقوق الدولة أو أخذ حقوقا ليست له يلزمه القانون بإرجاع  هذه الحقوق للدولة. المسالة تتعلق بتصفية تركة الماضي والاتجاه  إلى  المستقبل لان هناك الكثير من الموظفين والشخصيات المشلولة بسبب التعقب القضائي والمحاسبات القضائية. نحن لا نتحدث هنا عن تفريط في حقوق الدولة ولا عن تفريط في حقوق المجموعة الوطنية ولكن نتحدث عن إغلاق ملفات الماضي لمعالجة المشكلات القائمة.   

يعتبر البعض أن التصويت على قانون المصالحة هو مجرد خطوة لترتيبات لاحقة في إطار سياسية التوافق بين النهضة والنداء على غرار تغيير النظام السياسي، ما رأيك؟

-لا يجب أن نخلط الأمور ببعضها البعض، نحن نتحدث عن قانون المصالحة وليس هناك ما هو مخفيّ فوق الطاولة أو تحتها. نحن تبنيّنا قانون المصالحة الشاملة وكانت لدينا تحفّظات على القانون الذي عرض في طوره الأصلي وأدخلنا عليه تعديلات، وهذا القانون بنسخته الحالية ساهمت فيه حركة النهضة مساهمة جدية وموسّعة والمسؤولية السياسية تقتضي أن  تتحمل تبعات هذا الخيار. لا يمكن أن تساهم في صياغة قانون ثم تتفصّى من المسؤولية ولا تصوت لصالحه. هذه ليست مسؤولية سياسية. بالنسبة للدستور نحن مقتنعون بأنه يمثّل سلطة مرجعية وليس هناك ما يوجب المس بمقتضيات الدستور.  

لكن هناك انتقادات للنظام البرلماني ودعوات لتغييره ما موقف الحركة لا سيما أنها كانت من اشد المدافعين على هذا النظام؟

 – مازلنا من المدافعين على النظام البرلماني. 

كنا مقتنعين تمام الاقتناع بجدوى النظام البرلماني لكن كانت هناك قوى معارضة من داخل المجلس التأسيسي فانتهينا إلى شيء مركب هو مزيج من النظام البرلماني والرئاسي وهو أشبه ما يكون تقريبا بالنظام البرتغالي. يجب أن نعطي مزيدا من الوقت ليختبر هذا النظام السياسي الفلسفة الأساسية للدستور التونسي هي توزيع السلطة لأننا عانينا لعقود  طويلة من الزمن من مخلفات نظام رئاسوي ممركز فأردنا أن نتجه في الوجهة الأخرى باتجاه نظام برلماني. التوازنات السياسية لم تسمح بذلك فانتهينا إلى نظام سياسي مركب ومزدوج. لا أتصور أنّ هناك مشكلات في هذا النظام أردنا أن نوزع السلطة بصورة أفقية حتى لا نتيح مركزة السلطة في يد هيئة واحدة أو شخص واحد ولا نكرّر تجربة التسلط السياسي من خلال وجود مركز قرار يتحكم في كل كبيرة وصغيرة.  

 في حال وجود دعوات جدية لتغيير النظام السياسي كيف سيكون موقف الحركة؟

– شخصيا أعتبر الدستور هو سلطة مرجعية لا يجب أن تخضع للأهواء والحسابات الشخصية. هذا نظام سياسي صادق عليه المجلس الوطني التأسيسي وكان موضع اتفاق وما يشبه الإجماع بين مختلف مكونات الطبقة السياسية، وليس هناك ما يوجب تغيير هذا النظام السياسي وهذا رأيي الشخصي. 

رئيس الجمهورية وفي تصريح مثير له قال “أردنا جلب حركة النهضة إلى خانة المدنية ولكن يبدو أننا أخطأنا التقييم”، ما رأيك؟

-في تقديري هذا التصريح ليس في محله، فالكل يشهد ويعرف معرفة اليقين بأن حركة النهضة تيار وطني إسلامي ديمقراطي بذلت جهودا كبيرة في تطوير أفكارها وممارساتها السياسية. أصبحت حركة النهضة تمثل نموذجا للاعتدال الإسلامي وكل الخبراء والباحثين والمراقبين للشأن التونسي ولمسار حركة النهضة يشهدون بذلك. وبالتالي نحن تيّار وطني ديمقراطي مدني ومقتنعون بسلامة هذا التمشّي الذي ننتهجه.  

هناك من اعتبر أنّ هذا التصريح هو بداية طلاق سياسي بين النهضة والنداء؟

-لا أتصور ذلك والدليل على ذلك التوافقات الحاصلة في البرلمان، فلسفة التوافق ليست مبنية على تصريح هنا وهناك وإنّما على تمش عام وخيارات استراتيجية تتعلق بإدارة المرحلة الانتقالية.هناك تقدير مشترك داخل النهضة والنداء بضرورة الاستمرار في الخيار التوافقي ضمن حكومة الائتلاف الوطني وضمن وثيقة قرطاج التي أمضت عليها الكتل السياسية الرئيسية في البلاد. 

يعتبر البعض أنّ النهضة خسرت الكثير جراء هذا التوافق؟

-قد تكون خسرت جزئيا، بمعنى خسرت بعض التململ والتذمر لدى بعض القواعد النهضوية وهذا طبيعي جدا لان خيار النهضة لم يكن قائما على  التوافق مع نداء تونس وكذلك الأمر بالنسبة لنداء تونس الذي كان يعمل على تشكيل مشروع سياسي مناقض لحركة النهضة. 

انتقادات عديدة طالت عودة رجال بن علي إلى العمل الحكومي ما رأيك؟

-صحيح وهذا ثمن التوافق، ثمن التوافق أن تعود بعض الشخصيات القديمة وليس في ذلك عيب. ولكن المنظومة القديمة لم تعد في حقيقة الأمر لان لدينا دستورا جديدا ولدينا مؤسسات سياسية جديدة. قد يعود الأفراد ولكن المنظومة القديمة لن تعود.

ألا تخشى حركة النهضة على رصيدها الانتخابي من ضريبة هذا التوافق؟ 

– ممكن أن تكون لهذا التوافق بعض الانعكاسات. وبالتأكيد هناك بعض  القلق لدى قواعد النهضة ونحن نبذل جهدا تواصليا  لإقناع قواعدنا حتى يكون هذا التوجه السياسي موضع إجماع على مستوى القيادة وكذلك على مستوى القاعدة الانتخابية للجسم النهضوي، لكننا متشبعين بجدوى وسلامة  هذا التمشي السياسي.

الصباح نيوز/منى حرزي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *